الأسرار الخفية للروائح

الروائح الذكية، تُحدِث ارتياحًا واسترخاءً، وتقلل من التوتر وضغوط حياة اليومية سواء في العمل، أو المنزل، وحتى أثناء التسوق، ما العلاقة بين الرائحة وتصرفات الإنسان؟ وهل للروائح دور كبير في تحديد سلوكيات الفرد؟ ما تأثير الروائح العبقة، والروائح الكريهة على تصرفات المرأة والرجل؟ ومن منهما يتأثر بها بشكل أكبر؟ لأنه يصعب القول إن من تعاني من توتر لحد الخجل المرضي أو الكآبة، سيزيل استخدامها للروائح، مهما كانت في تأثيرها الإيجابي، أعراضًا مرضية، فإلى أي مدى يصح القول بذلك؟

 


الدراسة التي نشرها المعهد العالي للفنون في مدينة «ساو باولو» البرازيلية، تقر أن الروائح الزكية تحدد نحو 40 % من مجمل سلوكيات وتصرفات المرأة، ونصف هذه النسبة من تصرفات الرجل، فهي تمنح المرأة سعادة، وإن كانت مؤقتة؛ لأنها تغذي مشاعرها، فيدخل السكون إلى نفسها وتجعلها أكثر هدوءًا وميلًا للطمأنينة وحسن التصرف مع الآخرين.

لكن الدكتور القحطاني يؤكد أن الرائحة الزكية، مفتاح من مفاتيح العلاقة الزوجية الناجحة والعكس صحيح، ففي حالات استثنائية، قد يعاني أحد الزوجين من مشاكل صحية في جهازه التنفسي، هنا ينصحهم أطباؤهم بالبعد عن كثير من الروائح وإن كانت زكية؛ لأنّ لديهم حساسية تجاهها،مما يؤدي إلى أزمة ربو وضيق في التنفس.

يتابع القحطاني: «هناكنظرية علمية تقول إنّ الإنسان على غرار الثدييات والحشرات، يفرز جسمه مواد كيميائية، تستطيع أن تثير اهتمام النساء خلال عملية التعارف والحب، وتحرك رغباتهم عبر توظيف حاسة الشم وتحديدًا بعضو صغير جدًا في المخاط، الذي يغلف الجزء العلوي لتجويف الأنف، حيثُ يلتقط هذا العضو تلك المواد، ثم يبعث بسرعة البرق بها إلى «الهيبيتالاموس» مركز إحساسنا في الدماغ، لاتصاله المباشر به، وهناك يتم البحث في مضمون الرسالة، وإذا لم تكن هناك موانع اجتماعية، يطلق الدماغ إشارات الموافقة باستنفار باقي جهازه الهرموني، ليتفاعل مع هذا الحب في مهرجان هرموني عجيب، وهي مواد لا رائحة لها، ولكن الدماغ يستطيع قراءة مضمونها والتعليق عليها بسلوكيات الموافقة أو الرفض.

 

لأجل العمل!

أضافت الدراسة التي أعدها عدد من الفنانين التشكيليين البرازيليين، أن الإنسان يستطيع العمل بشكل أفضل في بيئة تنتشر فيها الروائح العبقة، ويتناقص هذا الجهد، إذا كان العمل في بيئة ملوثة تنتشر فيها الروائح الكريهة، وعبر سؤال عدد كبير من النساء والرجال، حول تأثير الروائح على سلوكهم، تبيّن أن العَبِقة منها تمنحهم دافعًا لحسن معاملة الآخرين، بسبب رؤية الأشياء بشكل أجمل، أما الرائحة الكريهة فهي تزيد من عصبية الإنسان وتجعله أكثر ميلًا للخشونة، وتعليقًا على ذلك، شبهت الدراسة الرائحة الكريهة بالفيروس المرضي والرائحة العبقة بالبكتيريا المفيدة لجسم الإنسان.

تعليقًا على ما سبق، يؤكد القحطاني وجود ارتباط وثيق بين الرائحة والذاكرة، فالإنسان كما يتذكر المواقف والصور والكلمات، يتذكر أيضًا الرائحة، وهي من الروابط التي تربط الإنسان بالخبرات والمواقف، فالرائحة الجميلة من الروابط التي توحي بذكريات وعبق وسعادة، تكون مخزونة في أعماق النفس، وتفوح الذكريات مع الروائح عبر الزمن.

 

قدرة المرأة!

ثبت أنّ المرأة هي الأكثر قدرة على تمييز روائح الآخرين، ولذلك فإنّ باستطاعتها التعرف على رائحة زوجها من بين مائة رجل، كما أنّ الشعوب في مختلف أنحاء العالم تتميز بروائح تختلف عن بعضها البعض، قديمًا كانت الجيوش تعتمد على اختلاف الروائح، لتحديد المحارب الصديق أو العدو، وهنا يعرض القحطاني لدراسة أجراها علماء بريطانيون، تؤكد أن الإنسان الباحث عن شريك، ينجذب أساسًا إلى شخص يحمل جينات مماثلة ورائحة شبيهة برائحته الطبيعية، وتبيّن هذه الدراسة أنّ العالم «فرويد» كان محقًا حينما قال: «إنّ الرجال والنساء ينجذبون إلى أشخاص يذكّرونهم بأمهاتهم أو بآبائهم، أو على الأقل يشبهونهم». ‏

 

الرائحة والحب

ترى الدراسة أنّ الرابط قوي جدًا بين الرائحة والحب، فربما تقبل المرأة الزواج برجل اجتمعت به لأول مرة، بسبب رائحته المميزة عندما وقف أمامها، ولا نعني هنا استخدام العطور، بل الرائحة الطبيعية لجسم الإنسان، وربما تنفر من رجل إذا كانت رائحته غير محببة، وهذا يعتمد إلى حد كبير على الاعتناء بالذات، سواء كان من حيثُ النظافة الشخصية، أو نظافة الملابس المستخدمة.

فيما تهتم المرأة بالرائحة الطبيعية للرجل، فإنّ الرجل ينجذب بشكل أكبر إلى الروائح والعطور التي تستخدمها المرأة، وهذا هو بالضبط الفارق بين الرجل والمرأة من حيثُ إعطاء الرائحة الطبيعية أهمية أكبر، فالرائحة الاصطناعية تزول مع انتهاء مفعولها، لكن الرائحة الطبيعية باقية.

 

استعدادًا للبوح!

من غرائب الدراسة، أنّ المعالجة عن طريق الروائح تستخدم في كثير من دول العالم، حيثُ يوضع المريض في بيئة تنتشر فيها الرائحة العبقة، فيستجيب للمعالجة بشكل أسرع، خاصة المعالجات النفسية، كما أشارت إلى أنّ أكثر مَن يستخدمون الروائح في معالجة الأمراض النفسية هم الأطباء النفسيون الذين يقولون إنّ المريض النفسي يصبح أكثر استعدادًا لشرح ما يعانيه إذا كان في بيئة تنتشر فيها الروائح العبقة والمنعشة.

وكشفت أيضًا أن هناك رابطًا قويًا بين الروائح وخجل المرأة، فالمرأة الخجول يزيد خجلها عندما تكون في بيئة تنتشر فيها الروائح الكريهة، وأنّ حساسية المرأة التي تعاني من الخجل، تتذبذب بحسب الروائح التي تشمها، فتزداد الحساسية ويضطرب السلوك عندها، عندما تتعرض لروائح معينة لا تحبها، وتنخفض هذه الحساسية وتزداد ثقة المرأة الخجول بنفسها عندما تشم روائح عبقة تحبها.

ويؤكد بعض الأطباء النفسانيين أنّ للروائح أحيانًا مفعولًا سحريًا في معالجة الخجل المرضي عند المرأة.

 

أثرها الشفائي

اختصاصية العطور، فيفياني آلفيز،31 عامًا، ترى أن الدراسة تسرد حقائق يجهلها الكثيرون عن تأثير الروائح على سلوكيات الإنسان، وتضيف: «المختصون باختراع العطور على دراية أكبر بتأثير الروائح على تصرفات الإنسان، خاصة تصرفات المرأة، فأنا أؤيد أنّ للروائح مفعولًا شفائيًا في العديد من الأمراض النفسية، وعلى رأسها الخجل والعدوانية والاكتئاب، فهناك نساء خجولات اعترفن بأنهنّ يستخدمن أنواعًا معينة من العطور، للتخفيف من حالة الخجل، وبدون تلك الرائحة، يزداد احتمال تحول الخجل إلى الاكتئاب».

لمعرفة ما علاقة العطور بالعلاقة الزوجية تابعي العد 1476 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.