«الفقاعية الجلدية»: داء مناعي نادر وخطر

يصنّف داء «الفقاعية الجلدية» من بين الأمراض الجلدية المناعية نادرة الحدوث، إذ تفيد الإحصائيات الحديثة أن نسبة الإصابة به تتراوح بين 0.4 إلى 3.4 لكل 100.000 من إجمالي سكان العالم. ويسبّب جملةً من التأثيرات النفسية والجسدية على حياة المصاب، خصوصاً على مستوى علاقته بالآخرين، علماً أنّه يؤدّي إلى الوفاة بنسبة 7 إلى 16% من إجمالي الحالات المصابة والتي تمتدّ فيها «الفقاعية» لتشمل مساحات كبيرة من الجلد، تصاحبها قروح كبيرة الحجم وفقدان كميّة كبيرة من سوائل الجسم، مع احتمالية حدوث مضاعفات بكتيرية وفطرية شديدة. «سيدتي» اطّلعت من استشارية الأمراض الجلدية في مستشفى سليمان فقيه بجدة الدكتورة حنان ربيع ندا، على أنواع «الفقاعية الجلدية» والأعراض الإكلينيكية لكل نوع والطرق الحديثة في العلاج.

يتكوّن الجلد من طبقات عدّة، تشمل كل واحدة منها مجموعة من الخلايا المترابطة بروابط خاصة. ولدى الإصابة بـ «الفقاعية الجلدية»، يقوم الجسم بتكوين وإنتاج أجسام مضادة تتّجه نحو هذه الروابط فتدمّرها، لتتباعد الخلايا وتنشأ بينها فراغات تمتلئ بسوائل الجسم. وتبدو الأعراض في صورة فقّاعات جلدية تنتشر بسرعة كبيرة في أجزاء الجسم المختلفة، ابتداءً من فروة الرأس والوجه حتى الثنيات الجلدية الدقيقة والأعضاء التناسلية... وفي بعض الحالات المتطوّرة، قد تمتدّ لتشمل الأغشية المخاطية للعين والأنف والفم والتي تتكوّن فيها الفقاعات الجلدية، ثم تنفجر سريعاً، تاركة قروحاً تختلف في حجمها وشكلها، ممّا يؤثّر في درجة الإبصار بالعين ومستوى الكلام والقدرة على تناول الطعام. وتختلف مجموعة الأمراض الفقاعية عن بعضها البعض في الحجم وشدّة ومكان الإصابة، فبعضها يكون رقيقاً سريع الإنفجار تاركاً قروحاً جلدية، فيما بعضها الآخر يكون سميكاً لا ينفجر بسرعة.

ويصيب هذا المرض الجنسين على السواء، وتحدث الإصابة في أية مرحلة عمرية، إلا أنّها تزداد بعد سنّ الثلاثين. ويعتمد التشخيص المبدئي على الصورة الإكلينيكية، إلى جانب الفحص النسيجي الخلوي لخزعات تؤخذ من الجلد، وقد تحتاج إلى صبغات خاصّة يتمّ من خلالها تحديد نوع الأجسام المضادة  لمعرفة نوع العلاج المناسب لكل نوع، إذ تنبثق عن «الفقاعية الجلدية» أنواع عدّة، أبرزها:

 

Pemphigus Vulgaris

يشكّل هذا النوع من «الفقاع الجلدي» نحو 70% من إجمالي عدد الحالات المصابة، ويتراوح معدّله عالمياً بين 0.5 إلى 3.2 لكل 100.000 من إجمالي سكان العالم، وذلك بناء على الإحصائيات الطبيّة الحديثة. ويعتبر سكّان ساحل البحر المتوسط أكثر الشعوب إصابة بالمرض، خصوصاً من تتراوح أعمارهم بين 50 و60 عاماً. ويعتبر المصابون بهذا المرض أكثر عرضة للوفاة بنسبة 1 الى 3، وذلك حسب انتشار المرض بالجسم ودرجة استجابته لجرعات «الكورتيزون» في العلاج، علماً أن الوفاة قد تنتج عن العلاج بجرعات كبيرة من «الكورتيزون».

ويصيب هذا النوع الأغشية المخاطية في داخل تجويف الفم بنسبة 50 إلى 70% من إجمالي الحالات، ويعتبر الأطباء شكوى المريض بوجود تقرّح دائم ومؤلم بالفم مؤشراً قوياً لإصابة الجلد بهذا النوع من الفقاع الجلدي، وذلك في غضون 5 أشهر تقريباً من بدء التقرّح. ومن أعراضه أن التقرّح لا يلتئم سريعاً، وقد يمتدّ إلى الحنجرة مسبّباً تغيّراً في الصوت وضعف قدرة المريض على تناول الطعام والشراب بصورة طبيعية. وينتشر المرض خصوصاً في الملتحمة والمريء والأعضاء التناسلية والغشاء المخاطي للأنف.

الأعراض الإكلينيكية: تحدث الإصابة المبدئية بهذا النوع من المرض في شكل فقاعة رخوية رقيقة  تظهر عادةً فوق الجلد السليم، مسبّبةً احمراراً على الجلد المصاب، يصاحبها شعور بالألم بدون إحساس بالحكّة لتنفجر بعدها مسبّبة تقرّحات مؤلمة. أمّا إصابة الأظافر بهذا المرض، فتكون في شكل داحس مزمن أو تجمّع دموي أو ضمور. وقد أثبتت البحوث الطبيّة أن إمكانية إصابة الحامل بهذا النوع نادرة الحدوث، وفي حال الإصابة تنتقل الأجسام المضادة عبر المشيمة لتصل إلى الجنين الذي يصاب بصورة مؤقتة ويتعافى مع اختفاء الأجسام المضادة المنتقلة إليه والتي يتمّ معالجتها بتناول الأم للكورتيزون عبر الفم وتحت إشراف الطبيب المعالج، علماً أن هنالك أنواعاً من «الكورتيزون» كعقار «البردنيزون» ومشتقاته ينتقل إلى الجنين عبر المشيمة مسبّباً تأخّر النمو وضعفاً بوزن الجنين. وقد سجّل الباحثون بعض الحالات المصابة نتيجة التعرّض للضغوط النفسية والأشعة الفوق البنفسجية والحروق والعدوى الفيروسية. وقد تعزى أسباب الإصابة إلى مجموعة من العوامل الوراثية أو الوهن العضلي، لكن يظلّ السبب الرئيسي المسؤول عن هذا المرض غير معروف حتى الآن.

 

Dermatosis  Linear igA

مرض حويصلي، يبدأ بالظهور على شكل ترسّبات خطّية من الأجسام المضادة في الطبقات الأولى من الجلد، ما يؤدّي إلى تحفيز عمل الخلايا الدفاعية التي تنتهي بتفكيك الروابط بين طبقتي الجلد الرئيسة وتكوين الفقاعات.       

وقد سجّلت الولايات المتحدة الأميركية إصابة 0.6 لكل 100.000 من السكان سنوياً، أمّا في شمال إنكلترا فوصل معدّل الإصابة إلى 1 لكل 250.000، فيما تدّنت الإصابة في فرنسا إلى 0.13 لكل 250.000. وقد أثبتت الدراسات الطبيّة الحديثة أن متوسّط فترة الإصابة بالمرض بين الأطفال يتراوح ما بين عام و7 أعوام، وأن نحو 64% من إجمالي المصابين يبدون تحسّناً كاملاً في خلال عامين، كما أن متوسّط فترة الإصابة بالمرض بين البالغين يتراوح ما بين عام و 15 عاماً. وقد قدّرت نسبة الشفاء للبالغين بنحو 48%. وفي دراسة أخرى أجريت على 12 سيدة خلال فترة الحمل، وجد أن تحسّن الأم المصابة من المرض يكون عادة في الأسبوع العاشر من الحمل، إلا أنها قد تتعافى في الفترة الأخيرة من الحمل، علماً بأن المرض قد يعاود الظهور مرّة أخرى بعد الولادة.

الأعراض الإكلينيكية: تكون الإصابة المبدئية في شكل حويصلة أو فقاعة تحتوي على سائل شفاف أو دموي، يصاحبه ظهور بقع بيضاء عادة لا تترك أثراً بالجلد بعد إصابته بعكس إصابة الأغشية المخاطية التي تترك أثراً ناتجاً عن تكوين قشرة. كما قد يعاني المريض من الحكّة أو التهيّج الجلدي قبل ظهور الفقاعات بفترة طويلة، وقد تكون إصابة العين مصحوبة بألم شديد ووجود بعض الإفرازات. وفي حالات أخرى، قد تكون الإصابة مصحوبة ب «لوكيميا» الدم

أو أورام لمفاوية أو سرطانية في المثانة أو المريء أو الثدي أو القولون أو البنكرياس. ونظراً إلى كونه مرضاً مناعياً، فقد يكون مصحوباً بأمراض مناعية أخرى كـ «الذئبة الحمراء» والإلتهاب الكبدي المزمن والتهاب المفاصل الروماتيزمي وكسل الغدة الدرقية. 

لمتابعة بقية الموضوع اقرأوا العدد رقم 1535 من مجلة "سيدتي"