الجراحة والأدوية لعلاج السل

يحتفل العالم في 24 مارس (آذار) من كل عام باليوم العالمي للسل. وفي هذا الإطار، تفيد إحصائية حديثة لـ «منظمة الصحة العالمية» WHO أن نسبة الإصابة به ارتفعت في منطقة جنوب شرق آسيا التي تشهد أكبر عدد من حالات السل خلال السنوات الثلاث الماضية، وبلغ نحو 35% من إجمالي الحالات على مستوى العالم.

وبصورة عامّة، يحمل ثلث سكان العالم عدوى السل، ما يجعلها من أكثر مسبّبات الوفاة من بين كل الأمراض المعدية عالمياً، وقد بلغت نحو 1.7 مليون شخص في العام 2009 ونحو 3 ملايين شخص العام 2010. ويعزو الباحثون السبب إلى ارتباط عدوى السل المباشر بارتفاع معدّل الإصابة بمرض نقص المناعة (الإيدز)، خصوصاً في الدول النامية.

«سيدتي» اطّلعت من عضو «الجمعية الأوروبية لجراحة القلب والصدر» و«الجمعية الأميركية لأمراض القلب وجراحة الصدر» والحاصل على زمالة «سان دوناتو كلينيك» بجامعة ميلانو في إيطاليا استشاري جراحة القلب والصدر ومناظير الصدر الدكتور ضياء الدين أبو السعود عن أنواع وأعراض السل وتشخيصه وطرق علاجه:

يعدّ السل أو الدرن مرضاً مزمناً تسبّبه بكتيريا عصوية الشكل تعرف باسم «بكتيريا الدرن» Mycobacterium Tuberculosis والتي تصيب في غالبيّة الحالات الرئة، منتقلة منها إلى أجزاء أخرى من الجسم كالعظام والمخ والكلى. وتكمن خطورته في كونه شديد العدوى، إذ تبيّن الدراسات الحديثة أنه باستطاعة كل شخص مصاب بالسل نقل العدوى لنحو 10 إلى 15 شخصاً سنوياً. ويواجه العالم في كل ثانية خطر إصابة جديدة ببكتيريا السل، حسب تقديرات «منظمة الصحة العالمية»، ويقدّر عدد الوفيات بهذه العدوى بنحو 3 ملايين سنوياً.

 

طرق الإصابة

1 العدوى Airborne droplets: تنتقل عدوى بكتيريا الدرن من شخص إلى آخر عبر الهواء المحمّل بالرذاذ والذي يخرج من الشخص المصاب أثناء العطس أو السعال أو بمجرّد تواجده بمكان مغلق أو في التجمّعات، علماً أنّه بمجرّد استنشاقه تترسّب البكتيريا داخل الحويصلات الهوائية بالرئة والتي تعتبر المركز الأساس للإصابة لتقوم الخلايا المناعية بعد ذلك بهضمها. وفي هذا الإطار، يعدّد الباحثون في جامعة «هارفارد» الطبية صور تعامل الجسم مع عدوى الدرن، والتي تكون في أشكال عدّة، أبرزها:

- التغلّب على عدوى السل نهائياً بفضل قوّة جهاز المناعة في الجسم.

- تكاثر البكتيريا المسبّبة للعدوى والتي تعرف طبياً بالإصابة الأولية بالسل.

- تظلّ البكتيريا كامنةً داخل الجسم لمدّة أعوام دون أن يظهر على المريض أية أعراض مرضية.

- تنشط البكتيريا المسبّبة للمرض بعد فترة من الخمول أو بعد الإصابة الأولية في ما يعرف طبياً بالسل الثانوي Reactivation T.B.

 

وتشير الدراسات الحديثة الصادرة عن «منظمة الصحة العالمية» أن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض السل، هم:

- المصابون بنقص المناعة المكتسبة (الإيدز) HIV، إذ أن مشكلة السل تزداد حدّتها بانتشار مرض الإيدز سنوياً.

- صغار السن أو المسنون، إذ تشير الأرقام الصادرة عن «منظمة الصحة العالمية» إلى ازدياد احتمالات الإصابة بالسل بعد سنّ 65 عاماً.

- ازدياد نسب الإصابة عند العلاج بـ«الكورتيزون» والعقاقير المثبطة للمناعة.

- ازدياد نسبة الإصابة عند من يعانون من الأورام، خصوصاً الأورام اللمفاوية والسرطانية التي تلزم العلاج الإشعاعي الذي يثبط المناعة ويزيد من نسبة العدوى بالمرض.

- سوء التغذية وعدم إمداد الجسم بمضادات الأكسدة التي تمثّل المصدر الطبيعي في تقوية المناعة وتحسين كفاءة عمل جهاز المناعة.

- الإصابة بداء السكري وخصوصاً النوع الثاني منه. 

- انتشاره بين الأطباء وفرق التمريض ممّن يتعاملون بشكل مباشر مع مرضى الدرن، كما في أماكن التجمّعات البشرية.

 

2 الطعام Mycobacterium Bovis: يتمثّل في تناول اللحوم الحيوانية المصابة أو الحليب البقري غير المبستر والملوّث ببكتيريا السل البقري والذي ينتج عنه انتقال عدوى السل عن طريق الجهاز الهضمي.

 

3 الاتصال المباشر: يشمل حدوث تلامس بين جروح الجلد والمواد الملوّثة أو المحمّلة بعصيات السل.

 

الإصابة والأعراض

- السل الرئوي Pulmonary Tuberculosis: تظهر الإصابة به في الجزء الخلفي من الفص العلوي للرئة، وينتج عن توافر الظروف المعيشية المهيّئة لتكاثر البكتيريا المسبّبة للعدوى. وفي هذا الإطار، يشير الباحثون إلى ظهور الأعراض لدى 5% من المصابين، وتتمثّل في: سعال مصحوب بخروج دم، ألم في الصدر، ارتفاع في درجة الحرارة بدون سبب معروف، تعرّق أثناء الليل، الشعور بالإجهاد، فقدان الشهية ونقصان ملحوظ بالوزن.

- السل خارج الرئة Extrapulmonary Tuberculosis: يحدث هذا النوع من الإصابة عند انتشار العدوى إلى أجزاء أخرى من الجسم عبر الدم أو السائل اللمفاوي، والذي يمكن تقسيمه إلى:

 

أ عدوى داخل الصدر Thoracic تشمل الإصابات التالية:

- إصابة الغشاء المحيط بالرئتين.

- إصابة الغشاء المحيط بالقلب.

- إصابة جدار الصدر.

- إصابة العقد اللمفاوية المجاورة.

 

ب عدوى خارج الصدر Extrathoracic، تشمل:

- إصابة الجهاز البولي والتناسلي: يعاني المريض في هذه الحالة من ألم في جانبيّ البطن وصعوبة في التبوّل وزيادة الحاجة إلى التبوّل. وتفيد نتائج الدراسات الصادرة عن جامعة «أكسفورد» الطبية أن الدرن الناتج عن هذه الإصابة قد يمثّل نحو 10% من أسباب العقم لدى السيدات على مستوى العالم.

- إصابة العظام: تعتبر الفقرات الظهرية من أبرز الأماكن إصابة بالسل والتي تظهر في شكل التهاب فقري Pott’s Disease. وتتمثّل أعراض الإصابة، في: ألم في الظهر وخشونة في المفاصل وضعف في الأطراف السفلية من الجسم. كما يمكن أن يسبّب الدرن التهاب المفاصل، خصوصاً مفاصل الفخذ والركبتين والتهاب الأوتار.

- إصابة الجهاز العصبي والمخ: يأتي على صورة التهاب في الأغشية المحيطة بالمخ (الالتهاب السحائي) Tuberculous Meningitis، والذي يعاني فيه المصاب من صداع قد يستمر من أسبوعين إلى 3 أسابيع بشكل متواصل وغيبوبة قد تستمر لمدّة أيام أو أسابيع.

- إصابة الجهاز الهضمي والجهاز اللمفاوي: إصابة أجزاء من الجهاز الهضمي كالأمعاء والغشاء البريتوني، بالإضافة إلى إمكانية ظهور الإصابة في الجهاز اللمفاوي كالعقد والأوعية اللمفاوية.

- السل الدخني: يصيب عادةً الأطفال والمصابين بنقص المناعة، ويحدث عبر وصول بكتيريا السل إلى الدم بواسطة السائل اللمفاوي أو الدم مباشرة. ويعزو الأطباء تسميته إلى ظهور المرض باثولوجياً على هيئة حبوب درنية لها شكل حبوب الدخن المنتشرة بالرئة. كما يصيب هذا النوع أجزاءً عدّة من الجسم، ولذا يعتبر بمثابة أخطر وأشرس أنواع السل. ونظراً لتأثيره الشديد على منطقة الرئة والصدر، فقد ينتج عنه ضيق في النفس وسعال ووجود زرقة بالجلد، فضلاً عن أعراض السل الأخرى.

 

التشخيص

- إجراء أشعة عادية على الصدر يتبيّن فيها وجود ندوب وظلال لكهوف داخل أنسجة الرئة نتيجةً لإصابتها ببكتيريا السل، كما يلاحظ وجود أجزاء متليّفة وأخرى متكيّسة، بالإضافة إلى حدوث تضخّم في العقد اللمفاوية.

- اختبارات السل الجلدية Test Tuberculinوالتي يتم من خلالها دراسة ردّ فعل جهاز المناعة للجسم بعد دخول العدوى من 4 إلى 6 أسابيع. ومن بين أشهر الطرق المستخدمة، ما يعرف بـ  Mantoux Test، فيتم حقن جزء ضئيل جداً من البروتين المستخرج من بكتيريا السل التي تمّت زراعتها مسبقاً ويتم حقنها تحت الجلد بالجزء العلوي من الساعد. وتظهر نتيجة الاختبار بعد 48 إلى 72 ساعة، وتكون نتيجة الاختبار موجبة بظهور منطقة دائرية متورّمة بقطر 10 ملليمترات تقريباً أو أكثر فتشير إما إلى حدوث عدوى مسبقة أو تناول اللقاح BCG Vaccination. وتشير النتيجة الموجبة لدى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 3 سنوات إلى وجود عدوى نشطة، بينما تستلزم النتيجة السالبة للاختبار خصوصاً بين الأطباء والأشخاص المعرّضين للعدوى تناول لقاح السل للوقاية.

- دراسة البكتيريا عن طريق أخذ عيّنات من مخاط الرئتين الذي يطرده المصاب أثناء السعال، باستخدام صبغات ومزارع خاصة.

- طرق حديثة للتشخيص، كاستخدام تقنيات PCR أو LCR.

 

التوصيات العلاجية

- العلاج الدوائي: يوصى بتناول العقاقير المضادة لبكتيريا الدرن Anti-tuberculous Drugs والتي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:

 

1- المجموعة الأولى: تتضمّن عقاقير «الريفامبسين» و«أيزونيازيد» و«أيثامبيتول» و«بيرازيناميد» و«ستريبتومايسين» والتي تندرج جميعها تحت فئة المضادات الحيوية ذات التأثير القوي وغير السام. وهي تستخدم بشكل خليط لمنع تكوّن سلالات جديدة من البكتيريا المقاومة للعلاج والتي يتم تقديمها بشكل نظام دوائي لفترات طويلة قد تصل بحدّ أقصى من 6 إلى 9 أشهر.

 

2- المجموعة الثانية: تشمل العقاقير التي تستعمل في حالات ظهور البكتيريا المقاومة للعلاج كعقار «أيثوناميد» أو «كاناميسين» و«سيكلوسيرين». وفي حالة الإصابة بالحساسية المفرطة الناتجة عن العقاقير المضادة للسل، ينصح باستخدام العقاقير الاستيرودية.

 

التدخّل الجراحي

يمثّل العلاج الجراحي 40% من إمكانية الشفاء التام من السل، في حين تبلغ حظوظ العلاج الدوائي نسبة 60%. وفي هذا الإطار، يعدّد الدكتور أبو السعود دور جراحة الصدر في علاج الدرن، وفق الشكل التالي:

- يلزم التدخّل الجراحي في علاج الدرن عندما تقلّ فاعلية العلاج الطبي في التحكمّ في أعراض المرض المتمثّلة في، الكحة الدموية والبصاق الصديدي لفترة لا تقلّ عن 6 أسابيع منذ بداية العلاج الطبي الدوائي، حسب التوصيات الأخيرة للجمعية الأميركية لأمراض وجراحة الصدر.

- يلزم التدخّل الجراحي لعلاج الدرن الرئوي عند وجود وتكوّن خرّاج رئوي بأي فص من فصوص الرئة اليمنى (3 فصوص) أو اليسرى (فصان)، ما ينتج عنه تلف شبه تام لبعض أو أحياناً لمعظم الرئة ما قد يستدعي استئصال فص أو جزء من الرئة اليمنى أو اليسرى إن لزم الأمر.

- تكوين تجمّعات صديدية في الغشاء البلوري لا تستجيب للعلاج الطبي المكثّف، وبالتالي تحدث فتحات وثقوب بالرئة تسمّى بـ «الناسور الرئوي الشعبي»، ما يلزم التدخّل الجراحي لتفريغ الصديد المتجمّع وتنظيف التجويف الصدري وغلق الثقب أو الثقوب عن طريق إجراء عملية جراحية استكشافية.

- يلزم التدخّل الجراحي أيضاً لاستئصال الكلى للتدرّنات أو الكتل الدرنية المتحوصلة والتي يختبئ فيها الميكروب ويتحصّن، ما يصعب من قدرة الدواء للوصول إلى هذه الميكروبات المتحصّنة.

- يتطلّب التدخّل الجراحي استئصال الغدد اللمفاوية الملاصقة للفصوص الرئوية المصابة أو الملاصقة للشعب الهوائية والقصبة الهوائية لمنع ضغطها ضغطاً مباشراً، وبالتالي تسبّبها في انسداد وضيق الشعب الهوائية.

- يفضّل إجراء جراحة للصدر ومنظار شعبي لاستكشاف الرئة والقصبة الهوائية والشعب الهوائية لأخذ عيّنات من السائل المخاطي المتجمّع داخلها بغرض عمل مزرعة للميكروب المتكوّن في هذا السائل وتحديد نوعه ومدى حساسيته للمضادات الحيوية المختلفة، ما يسرّع استجابة المريض للعلاج الطبي والجراحي معاً.