الأسطورة آن

عندما كتبت «لوسي مودْ مونتغومري» رواية «آن أوفْ غرين غابلزْ»، وترجمتُها بالعربية «آن القناطر الخضراء»، وذلك قبل مائة عام، لم تكن تُقدِّر أن يكون للرواية الموجَّهة أصلاً للأولاد، ذلك التأثير في نفوس مواطنيها، وحتى في حياةِ جزيرة «الأمير إدوارد»، بلدها.

>>> 

لقد تحوّل المنزل الريفي البسيط في منطقة «كافنديش» إلى محجّة سياحية، يقصدها الناس من كندا أو الولايات المتحدة واليابان، وذلك بعدما تُرجمتْ تلك الرواية إلى اليابانية، ثم أُدرجتْ في قائمةِ القراءات الإلزامية في المدارس اليابانية، ومنذ العام 1952. وأُطلق اسم البطلة «آن» على أكاديمية ومعهد للممرّضات، كما أُنشئت نواد للمعجبين بالرواية وبطلتها.

>>> 

وكنتُ ألتقي تلك الوفود اليابانية كلما زرتُ الجزيرة، إمّا في دار الكاتبة، وقد تحوّلتْ إلى متحف ومحجّة؛ أو في المسرح، حيث تُقدّمُ الرواية في شكل مسرحية، أو تُعرض في فيلم سينمائي.

>>> 

وعلاقتي الشخصية بالجزيرة عائلية؛ ففيها يُقيم إخوتي الأربعة وأختي، مع عائلاتهم؛ وجمهور من الأهل والمواطنين الذين هاجروا واستوطنوا هناك، تابعين خط الهجرة الأولى وتعود إلى العام 1888. ولم يكنْ مُستغرباً أن يُنتخبَ رئيسُ الوزراء ورئيسُ البلدية، وعدد من المسؤولين، من تلك الجالية، وذلك في ثمانينات القرن الماضي.

>>> 

وبفضل تلك العلاقة العائلية، تكرّرتْ زياراتي إلى الجزيرة؛ وكنتُ أُقيمُ بين الأهل، وأشاركُهم حياتَهم، وطقوسَ الغربة. وقد أتاحت لي تلك التجربة معرفةَ الأحوال الاغترابية، مما أكسبني فهماً أعمق لما يُعانيه المغترب، ومهما طالَ الزمان.

وقد سجّلتُ تلك الخبرة في قصصي ورواياتي.

>>> 

أما مناسبة الكلام على الجزيرة وأهلِها فهو ما طالعتُه أخيراً في بعض الصحف، عن «آن» وروايتها، وقد باتتْ مصدرَ كسب، وتدرُّ سنوياً ملايين الدولارات، من خلال السيّاح الذين يقصدون المكان الذي أصبح محجّة، ويتمتعون بمشاهدة المسرحية والأفلام التوثيقية أو الروائية.

>>> 

تُرجمت رواية «آن» في أربعين بلداً؛ وطُبع منها ملايين النسخ؛ كما أن شخصية البطلة
لا تزال تفتن قرّاءها، حتى أن المسؤولة عن الموقع التاريخي الوطني لـ «غرين غابلز» تجهد لإقناع بعض الزوّار بأن «آن» هي مجرّد شخصية روائية، وبالتالي، خيالية.

>>> 

في بعض الأحيان، يخلط الناس بين المؤلفة وبطلة الرواية؛ ذلك أن الفتاة ذات الشعر الأحمر، تجذب السيّاح والزوّار باستقلاليتها وبرغم صغر سنّها. ثم بخيالها الخصب وقدرتها على مواجهةِ التحدّيات.

>>> 

ثمّة عناصر أخرى تجذب السيّاح، وبينها الجوُّ المميَّز للجزيرة التي يدعوها بعضُهم «الجنّة المنسيّة» في كندا، حيث لا يزال الناسُ يعيشون حياةً هادئة، وبعيدة عمّا يعانيه البشر في بلاد يكثرُ فيها النزاعُ وتشتعل الحروب.

>>> 

قبل بضع سنوات، صدر تقريرٌ يُصنِّفُ البلدان التي لا تزال الحياةُ فيها طبيعية؛ وجاءت الجزيرة في طليعة تلك البلدان. وأذكرُ وصفاً لها، وردَ في ذلك التقرير بأنها «المكان الذي لا يزال بوسعك أن تبني فيه بيتاً كما لو كنتَ تغرسُ شجرة».