قبل العتمة

أمي أتوسل إليك أن تكملي حكاياتك، لن أفتح فمي هذه المرة، فقط دعيني أسمع صوتك المحفور في قلبي قبل أذني، الصوت القوي الحنون الذي يشبه صوت فتاة بعمر الورود.

كنا زمان نضحك وأنت تردين على هاتفي، يقولون لك أعطنا أمك، يحسبون أنك ابنتي لرقة وحلاوة صوتك، ولسرٍ وضعه الله فيك، كان فيه أيضًا صلابة وقوة تجعلنا جميعًا أمامك كالصغار.

أمي أرجوك، لا تجعلي هذا الصوت يغيب، أنا من دون أن أسمعه أصبح شيئًا هلاميًا لا يُرى ولا يُحس.

كدت أكسر كل شيء أمامي عندما سكت وأنا أتصل لأطمأن عليك، وتخيلت دمعة في عينيك الساحرتين وأنت تقولين «أريد أن أراك».

كسرت من الطريق البعيد بعضًا من الكيلومترات كي أصل وأجفف دمعتك، وأبحر في عينيك المليئتين بالحكايات، وأستمد منهما القوة والحب، وأبقى تلك الطفلة.

أمي، لا أريد أن أشيخ، من دونك لا يبقى لدي ذاك البريق والتوهج الذي يملأ عيوني.. هل نسيت مشيمتنا المشتركة، المقسومة بيني وبينك؟

«جميلتي» دعيني أبقى قوية متماسكة، لا تجعلي القلم يهجرني، لا تجعلي المياه غير صالحة للشرب، لا تجعلي الهواء ملوثًا.

من سيقول لي ثوبك جميل.. اربطي شعرك ذيل حصان، خففي من وزنك، البسي اللون الأسود والأبيض.

من يدعو الله دائمًا أن يحفظني ويحميني من كل شيء، تخافين عليّ من نسمة هواء، من عين حاسدة، من ملاحظة عابرة.

هل تذكرين كيف كنت تعلقين برقبتي ويدي الخرزات الزرقاء، وتضعين فوق لفتي بالأشهر الأولى من عمري الآيات القرآنية، وكل الأدعية، لتمنعي عني العين الشريرة، وتسمين بالله وملائكته عندما يراني أي شخص من خوفك وحرصك على.

كبرت، ومازلتِ تخافين على من شر حاسد إذا حسد.

أمي، عندما وصلت وقبلت رأسك، نظرت إليّ، ضعفت وبكيت دون أن أجعلك تلحظي دمعاتي، خفت عليك، وخفت على نفسي.

كيف سأعيش دون الغرق في عينيك ومحيطهما العميق.

دونك ستكبر طفلتك وتتوه بالحياة.

دون «جميلة» أنا لا شيء، لا شيء، يا رب.. أنتَ ربي وهي أمي.

سبحانك أنت من علمتنا من هي الأم.

وكيف إذا كانت «جمول» أمي.

ثلاثة أيام قربك، أضحك في وجهك وأبكي في سري.

ثلاثة أيام وعاد صوتك الحلو يدغدغ على أوتار قلبي الذي امتلأ بحب الله والوطن والأم، وعادت إلى الدنيا بكل حلاوتها.

أمي، سامحيني إن غبت عنك أيامًا قليلة.. سأتركــك فترة كي نرجع ونحكي حكايتنا، التي أرجـو من الله سبحانه وتعالى ألا تنتهي.