محمد فؤاد بين منير ودياب

محمد فؤاد بين منير ودياب


في مصر، حدث فني يستحقّ المتابعة، محمد فؤاد يخطف المبادرة ويقول إن مجموعة من الأغاني سوف تتسلل الى المستمع بهدوء وسوف تترك أثراً طيباً في النفوس. وذلك طبعاً له علاقة بطبيعة إنتاج هذا الفنان المخضرم والمتفرغ ليقدّم مجموعة من الأغاني لها طعم. ولعل كلمات الشاعر أمير طعمة زادت من المسؤولية التي تقع على فؤاد كونه واحداً من أصحاب المشروع الغنائي الحديث في مصر، الى جانب المجموعة التي أطلقت العنان للتجديد منهم عمرو دياب وعراب المشروع حميد الشاعري صاحب الاغاني الراقصة، لكنه تخفى أو أخفي لعدم قدرته على السيطرة والإستمرار أمام السوق المتخذة بقوة منحى السرعة والانفراط لعوامل ذات طابع اجتماعي واقتصادي فرضت نفسها على مظاهر الحياة اليومية ومنها الأغنية.



بينما وقف محمد فؤاد في نصف الملعب. سرعة مدروسة تركت الأذن بسلام، وانضمامه الى الحركة السينمائية الشابة تركت له مجالاً واسعاً للتحرك على الأرض المصرية، لكن المستغرب أن فؤاد لم يحظ كما زملاء له قدامى وجدد باختراق الحدود المصرية الى الفضاء العربي، حيث ظل في البقعة المصرية واختراقاته عبرت الأثير عبر الإذاعات والتلفزة ولم يكن له من الحفلات والمهرجانات ما كان لغيره وهم أقل موهبة منه.

في ألبومه الجديد، يقترب محمد فؤاد من السوق، يجامل ويغازل الشارع، فهو يريد الاقتراب من الحالة الجماهيرية التي ترافق نجوم المرحلة عمرو دياب وتامر حسني ومحمد حماقي، كلمات الأغاني منوّعة وفيها لغة قريبة من قديمه الغنائي وبهذا هو أقرب من محمد منير الى الباقين خاصة في العناوين كما في اغنية (ابن بلد) و(ساعات بشتاق)، يغيب الإيقاع المصري عن معظم أغاني الألبوم، ليحتل الغيتار الصولوهات في معظم الأغنيات، والتركيز على التكنو والهاوس ليظهر العمل بالشكل «العصري» الذي ترغب به شركة الإنتاج، ما يوحي بأن هناك جهداً كبيراً وواضحاً في مغازلة الجيل الجديد الذي بات جزءاً من المشهد الغنائي، فالنجاح والهبوط مرتبطان حسب المفاهيم الجديدة بقدرة إقناع النجم للجيل الجديد في تبني إنتاجه الفني..

 

دراما لبنان... «دراما»


بقايا تلفزيون لا لون له، يغريني أحياناً، يجلسني الى ذاكرتي التي تحملني على الابتسام الى تلفزيون لبنان.فقيرة الوانه وباهتة وبرامجه العتيقة تشبه اشياء كثيرة، نحاول أن نخفيها بماكياج، وبعض ابر السيليكون المنتشر على سائر الفضائيات اللبنانية. دراما لبنان تغيب مرة أخرى وسط هذا الكم من الأعمال الفنية، ضعف الإنتاج،عدم وجود نص، اللهجة، الممثل اللبناني غير مطلوب، لائحة طويلة من الأسباب يطرحها صانعو الدراما اللبنانية، دون تحليل حقيقي ومنطقي لهذا الغياب، فاللهجة حلها سهل.. فإما الفصحى وإما لهجة الأغاني التي توزّع ملايين الأقراص في الوطن العربي، فأين اختفى كتّاب لبنان روّاد المسرح والتلفزيون الذين قدّموا في السبعينيات من القرن الماضي مجموعة أعمال عالمية باللغة العربية الفصحى وباللهجة المحلية؟ لكن الدخول الى المنافسة في ما اتفق على تسميته دراما عن طريق الاستعراض المجاني لسيقان النساء وما تيسّر من أجسادهن دون اي مبرر درامي، لدرجة أن الفضائيات اللبنانية ذاتها لم تستطع أن تحتمل مضامين بعض الأعمال المنتجة في السنوات الماضية، والتي ساهمت بتأخير عجلة الدراماالمتعطلة أصلاً.

في الأعوام الماضية، تسللت بعض الأسماء من الفنانين اللبنانيينالى اعمال فنية عربية وحلّوا في الدرجتين الثانية والثالثة في ترتيب الأسماء.إلا أن هذه السنة اختفى نصف هذه الأسماء، وتضاءل حضورالنجم اللبناني من الأعمال العربية أكثر وأكثر. استبدل اصحاب المؤسسات الإعلامية اللبنانية الدراما الحقيقية بمجموعة شبان يقدمون عروضاً (كوميدية) على طريقة «الشونسونييه»، فلكل محطة فريق يسخر اسبوعياً من كل الأشياء المحيطة به، وينبشون في الذاكرة عن مشهد مضحك بعد أن تم استهلاك كل النكات من خلال برامج تفرغ اسبوعياً ما لديها على صحة المشاهد اللبناني بالدرجة الأولى، دون الإقتراب الفعلي من الدراما وإن كانت ضمن يوميات اللبناني. فهو يمارسها يومياً ويشارك بها من خلال متابعته لمسلسلات ليست كالمسلسلات، فهناك مسلسلانقطاع الكهرباء اليومي، ومسلسل البحث عن الحقيقة، ومسلسل انتشار الجيش في الجنوب، ومسلسل تسليم سلاح المقاومة، ومسلسل الخليوي، وأخيراً كان المسلسل الأكثر إثارة ظاهرة (الجواسيس) الذي سيطر على الإعلام وحلّ في المرتبة الأولى في قائمة المسلسلات المثيرة، قد تكون كل هذه المسبّبات كافية لتحلّ مكان الدراما الفعلية في لبنان، إلا أن ما ينقص الدراما الواقعية هو غياب اسماء الأبطال الحقيقيين الذين يتسبّبون بكل هذه المسلسلات الحياتية.

 


ذاكرة الجسد فرصة للأدب


بعد استهلاكنا لكميات هائلة من الدراما المكسيكية والتركية، وغرقنا في موضوعات تتكرر كل عام في قضايا متشابهة في الوجوه متقاربة في الطرح الى حد كبير ،بات الوقت سانحاً للعودة الى الأدب العربي النابع منا ومن حاراتنا، ومن بحرنا، ومن سطوحنا، ومن أزقتنا، ومن أجسادنا، التي تحكي قصص حياتنا، من قضايانا التي تحتاج للتأمل وهي ممتدة من مغربنا الى مشرقنا.

رواية الكاتب السوري حنا مينا «نهاية رجل شجاع» التي حرّكت الكاميرا السورية وكرّست حضورها في مواجهة مع ما كان سائداً وبائساً من أنماط درامية مستهلكة، حيث حرّضت تلك الرواية على الإرتقاء بالعمل الفني (السوري) المرتبط بالدراما الى أن وصلنا الى مواصفات تحترم عقل المشاهد وتعمل على ابراز حقائق كان من الصعب انتاجها وتسويقها.

تأتي اليوم رواية «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي لتثبت أن الأدب العربي واللغة الشعرية والفلسفية قادرة على جذب المشاهد مهما تنوّعت خلفيته الإجتماعية والإقتصادية، وتبقى الشريحة الكبرىالتي ليس لها سوى التلفزيون منفذاً للذهاب بعيداً من هموم الحياة التي تحيط بها من نواح عدة، وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً الى الفترة التي أنتجت فيها مصر روايات نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، لتبقى هذه الروايات بمثابة مراجع أدبية ودرامية اعلت من الشأن الفني المصري في تلك الحقبة، ثم جاءت موجة «المقاولات الفنية» التي ضربت الأعمال الدرامية وأنتجت مجموعة من الأعمال لا قيمة لها سوى وضع صورة على شاشةباهتة، شجعت على استسهال واستنساخ قضايا غير ذات قيمة، تعتمد الصراخ وتلميع صورة النجم الذي يكتب له مسلسلسنوي وهو بدوره يحوّل كل من حوله مجرد (كومبارس) يعملون على تفخيمه وتلميعه.

وهذا ما ساعد على الغياب الكلي للثقافة أو للتثقيف والذي عادة كان مربوطاً ومرتبطاً بأن يقترب الإنسان من الكتاب، ويتعامل مع ما بداخله من جدل ومن وجدان وقضايا انسانية. ثمّة فرصة سانحة لتقديم الأعمال الأدبية العربية الى المشاهد كأعمال درامية بمستوى شبيه بأعمال نجيب محفوظ وحنا مينا وأحلام مستغانمي وغيرهم.. فما المانع من أن نتعرّف الى المغرب من خلال رواية محمد شكري «الخبز الحافي»،ورواية الكاتب الجزائري واسيني الأعرج «شرفات بحر الشمال» ورواية «تلك العتمة» للكاتب المغربي الطاهر بن جلون والتعرف الى وجه آخر للبنان للروائي حسن داوود في «سنة الأوتماتيك» ونذهب الى السعودية من خلال رواية عبده خال «ترمي بشرر» ومن العراق فؤاد التكرلي في روايته «المسرات والأوجاع»... وهناك كثير من الأدب الروائي يحتاج لكاميرا ومخرج شجاع.