أحبه بكل الاضطراب الذي يصيبني

سلمى الجابري
كان وهج الشمعة الأخيرة، كان الارتعاشة التي تسبق موت الشعور، بُعث بعد كل موتٍ طارئ بمواقيتٍ يجهلها، لكنه كان يدرك جيداً أن اللحظة التي تنساب بين مسامات هذا العمر لن تعود مجدداً بكاملِ شبابها، لهذا لم تكن فكرة الرحيل أو البقاء بحاجةٍ للاحتشامِ العاطفيّ أمامه، كل ما كان يجتاحه جعله يصفق الباب من خلفه، كان كمشهدٍ سرياليّ، من الصعبِ تفكيكه أو اجتراره. فقط عليك تقبلهُ بكاملِ عجزه وكماله، هذا القيد الذي التف حول خاصرة أوجاعه، ما هو إلا مدعاة للصمت. كان لا يشتبك بهِ سوى الفراغ، فهو أعمق من أن تحتويه مساحة محددة، هو الهواء بشمولهِ، بل النار باحتراقهِ واندلاعهِ، هو التيه بكل الجنون المتقطّر منه. يغضب من نمطية المشاعر، من كل المعطيات التي لا تلائم ضجيج أفكاره، يثور كبحرٍ لا يغريه أي شاطئ، يخشى من عدمية اللحظة، اللحظة التي تجعله يظفر بذاته، هي ذات اللحظة التي قد تجهز عليه، هذا الرجل الذي آل عليه الآن، جعلني امرأة مسمومة بأفكارٍ لم أكن ألقي لها بالاً، لكني بتّ كذلك، أصبحت أرى الوجود بنظرةٍ مغايرة، بنظرةٍ حائرة، بنظرةٍ تطرح ألف سؤال، لكنها لا تجد سوى فتات الجواب، فتستمر بالنظر والتماهي الطويل حول كل ما يحيط ملامحها المرهقة. هذا الرجل الذي يحمل العالم فوق رأسه ويمضي صاخباً مع أناه، أحبه بكل الاضطراب الذي يصيبني بهِ بغتةً. هذا الرجل كالقيامة يا الله، بل هو كالبعث، يأتي بعد الاحتضار بسماويّة مفرطة، وقبل أن أبدأ بالحياة يحقنني بمواسم الحزن جيداً، حتى أكونه، فأرافقه بين الشتات ومع بدايات الاكتمال. يا الله كم أحبه وكم يحبني برغمِ هذا العذاب!! .