الحب دومًا يحتاج لثورة

سلمى الجابري

لا تحاول ترتيب فوضى مشاعري؛ بل زدها خرابًا.

لم تكن يومًا كثرةُ المشاكل العاطفية عائقًا لتوقف الحب، أو حتى لتقليل منسوب تدفقه في أوردتنا، لكنها كانت كقوةٍ خفيّة تعيدنا من حيث ما توقفنا، بحبٍ أكبر، وبصبرٍ أقوى، وباشتياقٍ لم نكن نعهده، لم تكن تلك المشاكل سوى سببٍ يدفعنا للقفزِ فوق رتابة التفاصيل القديمة، بحداثةٍ أكثر، وبجنونٍ أكبر، وبطرقٍ لم نكن سنكتشفها لولا كل المشاحنات العشقيّة التي تحدث فيما بيننا.

فأنا لا تغريني التفاصيل الكاملة؛ بل تثيرني بنقصها واعوجاجها، وحبكَ بمشاكلهِ، بأحزانه وبكلِ ذنوبهِ الصغيرة، جاءني تمامًا كما كنتُ أحلم؛ لذلك صدقني، لم تزدنا لحظاتُ الغضب الطويلة، والشتائم الصامتة سوى تشبثٍ بحبنا.

فبعض المشاجرات لم تكن سوى اعتراضٍ على الملل والسأم العاطفي، الذي يجرّنا نحو ذات التفاصيل الكربونية بنفس برود المشاعر، والحب دومًا يحتاج لثورة، لحرائق، ولجريانٍ مستمر، لا يعترف بالركود، ولا يخشى لحظاتِ الصمت.

بعض المشاكل ستكون نهاية لبدايةٍ لم تكتمل، وبعض المشاكل الأخرى ستشرع أبوابها لكلِ البدايات الحالمة، والمكللة بالاشتياق، بالحنين، وبالعشرة القديمة؛ لذلك رغمًا عن كلِ الغضب الذي يجتاح علاقاتنا، إلا أننا لا نستطيع الابتعاد، ولا نستطيع أن نطأ مدن الهجرانِ أكثر؛ لذلك نعود كما نجدهم عند عتبة الأماني، ينتظروننا بلهفةٍ أكبر، بينما بعض العلاقات الأخرى تنتهي عند أول حدثٍ يشتعل بمشكلةٍ ما، وكأنهم كانوا في انتظار حفلةِ وداعٍ لا تنسى؛ حتى يمكنهم الانسياب من بينِ كل تلك الذكريات بخفةٍ لا تثقل عاتقهم، أو حتى قلوبهم، دونَ أي اكتراث لكلِ أجنة الهوى التي تناغوا بها مطولاً بين تلك الساعات الطويلة من المكالمات الهاتفية؛

لذلك سأبقى أحبك رغمًا عن أنف المشاكل، ورغمًا عن ساعاتِ الابتعادِ الداميّة، ورغمًا عن كلِ الأجواء المشحونة بالتوتر والانشطار العاطفي...