العالم يلفظ سكناته الأخيرة

سلمى الجابري


عندما تلتزم الصمت طويلاً، بنيّة أن تقاطع هذا العالم بكل ما يجيء فيه من أحداثٍ وأحاديث، ثم بشكلٍ مفاجئ وعلى غير العادة، تُحشر أمام وجوهٍ لا تعرفها، حتى تخبرهم عنك بصورةٍ نمطية، بذات الصورة الروتينية المعتادة، كي تنشئ علاقةً ما من بابِ النفاق الاجتماعيّ ليس أكثر، فهذا الأمر مرهق جدًا، وما عادت لديّ تلك القدرّة على مناكفة كل هذا الهراء، لكن ما الذي دفعني لخوضِ تجربةٍ لا تتسم بالقبول؟ كما أنني ما عدتُ أرحب بالصداقات العابرة، التي لا تُبنى إلا من أجلِ سببٍ ما.
لطالما كنت أنطوي على أناي كورقةٍ تخشى التلف بين دفتيّ كتاب، فأنا لم يكن يهمني كم مضى من الوقتِ على صمتي أو سكوني، صدقًا لم يكن يهمني لو أني ظللتُ أتخبط بين تيهِ العتمة للأبد أو لا، ما كان يهمني في تلك اللحظة: هو أن أحافظ على أكبر قدرٍ من السلام الذي يبقيني في حالةٍ جيّدة، لكنّ سلامي الآن قد تزعزع، فهذا الالتحام البشريّ الذي تورطتُ بمعيته جعلني أفقد الكثير من اللحظات العدميّة، تلك اللحظات التي لا يميزها أي شيء، سوى أنها تخصني وحدي.
في كثيرٍ من الأوقات يتردد هذا السؤال على مسامعي:
- متى ستكفين عن الهرب؟
والإجابة دومًا تكون بهذه البرودة:
- عندما يتوقف العالم عن الدوران..
العالم يزفر، يلفظ سكناته الأخيرة ثم ينام..
قبل الجميع،
تمامًا كالعشاق،
ثمة من يسهر بسبب الاشتياق..
والآخر بسبب البكاء، وما بينهما يحتضر الشعور ويحيا.