بطرفةِ عينٍ رحلوا

سلمى الجابري
من المضحك جداً أن أكثر الأشخاص قرباً منّا هم أول من يرحلون عنّا بانسحاب جريء، ومن المؤلم فعلاً أنهم هم أول من دفعونا إلى مذبحة الحياة دون رأفة. فخلف كل آه موجعة نقولها هنالك حضارات تهدم، وأخرى تشيّد، فأي الحضارات ستشيّد بداخلنا؟ ونحن مازلنا نشهق الحياة بانكساراتنا الدامية! ليس بتلك السهولة سننسى لحظة الخيبة الأولى، الخيبة التي بقي طعمها قاتماً في فمنا حتى العظم، فكيف سنصل لمرافئ السلام، ونحن مازلنا نجدف نحو وجهةٍ نجهلها؟ كيف سننسى الكذبة الأولى، والخيانة المدويّة، ونحن مازلنا نجترح الذكرى من أتفه تفاصيلنا! بطرفةِ عينٍ رحلوا، دون أن يأخذوا معهم بقاياهم، صورهم، رسائلهم، ورائحتهم العالقة بذاكرة تفاصيل التفاصيل. من ذا الذي سينتشلنا من العدم بحبٍ أكبر؟ من ذا الذي سيخبر العالمين بأننا مازلنا صالحين للحب، صالحين للغناء، صالحين للرقص وللأحاديث الصامتة؟ من ذا الذي سيحمل ثقل أوجاعنا عنّا؟ من ذا الذي سيعكس ظلاله علينا بكل جنونه؟ من ذا الذي سيرجح كفتنا عن كفة البقيّة دون أن يلقي بالاً لانتقاداتهم؟ من ذا الذي سيحبنا مجدداً بأوجاعنا، وبكل البؤس الظاهر على ملامحنا؟ من ذا الذي سنكون بملءِ قلبه دون أن يخبر الجميع عن عوراتِ قلوبنا؟ بل سيكتمها في صدرهِ؛ حتى يستر لنا سوأتنا، دون أن يكشط موضع الوجع فينا بتهكمِ عاشق. نلوذُ بالصمت، كلمّا زادتنا حدة الكلام دمعاً. فقلبنا الغضّ بإنسانيته سيبقى عالقاً بين تيه الماضي، مرتعشاً، متفكراً؛ حتى يأتي من يحقنه بجزيل الأمل من حيثُ لا نعلم، لكن حتماً سيكون من حيثُ ما نتمنى