تشبث بشغفك

سلمى الجابري

 

أغمض عينك، أنصت، أرهف السمع جيدًا لحفيفِ الأشجار، للرياح المارقة، لخطوات الأقدام المترددة، لاحتراق الأنفاس العابرة، لموسيقى العالم من حولك، هذا الإيقاع الذي يمر بسرعة لا تفهمها، حاول التقاطه، التعلم منه، إنه يتجدد، يستحيل تكراره، أنت تسمعه باندهاش، بينما قد يسمعه غيرك بملل، بينما الآخرون قد لا يهمهم مطلقًا، إنه لا يكترث لذلك؛ فهو يخلق نفسه في كل لحظة، هل تصدق! بأن له في كل شيء صوتًا مختلفًا، إنه يتسع، يتشكل، له العديد من الأسماء، كالصوتِ، كالموسيقى، كاللحن، كالأغنية، والرتم، إيقاعه يبدأ من داخلك كالحبِ.
إنه شغف الحياة، شغف الأشياء، شغف الغد، الشغف الذي تسمعه في كل شيءٍ من حولك، وأنت تحاول تتبعه، الركض من خلفه، الإمساك به؛ فكلما اقتربت منه، تركته يبتعد عنك قليلًا؛ لتستمر بمطاردته أنت، وأنت تتلذذ بهذا التعب.
أن تصل لوجهتك بسهولة دون أن تتعثر، دون أن ترفع راية الانتصار، دون جُهدٍ يذكر، أن تقول للعالمين إنك نجحت دون أن تخطئ، دون أن تفشل وتتعلم حتى. فكل ما حققته وما ستحققه لا يذكر، باهتٌ لونه، يفتقد للشغف، للشعلة التي تحركه، للحياة التي تدبّ فيه روح الأشياء دون أن تكفّ عن تجديده.
أنت تعرفه، عشت معه سابقًا، بدأتما سويًا من اللحظة التي فقدت فيها كل شيء، لكنك وجدته متواريًا، مختبئًا، منتظرًا، مددت له يدك، آمنت به، ثم من حينها بدأتما بالركض، أنت وشغفك البكر ولكما ذات الحلم والهدف، قد يختفي، قد يبتعد، قد تفقده في أية لحظة دون أن تدرك ذلك، شغفك لن يبقى معك طويلًا دون أن يراك تطمح للوصول نحو مطارح أهم، نحو أهداف أكبر؛ لأنه يحب الاستمرار، الخلق، والتجديد، قد تنجح، وتصل لرغبتك بعد مسيرة تعب، لكن ماذا بعد؟ هل ستهدأ؟ هل ستستكين؟ حينها سيبتعد عنك، لن يعود، سيبحث عن غيرك دون توقف، لذا، لا تتوقف وتشبث بشغفك بقدر المستطاع.