ثمة جروح جاثمة.. ستنهشك

سلمى الجابري

 

- من منّا لم تدُر في رأسه فكرة التلاشي؟

أُغمض عينيّ، أغمضهما أكثر، تتكاثر برأسي الكلمات المتراصة، النازحة من ذكرى قديمة، أو تلك الكلمات الطازجة، الغاضبة، الكاملة بحزنها، والناقصة حتمًا بحبها، تتداخل الأصوات، الصور، أحاول عدم الاقتراب، ابتعد، ابتعد قليلًا كي أعطي المشهد حقه في التماهي والتداعي، وكأني لستُ المعنية بهذه الفجائع.

لا مشكلة لدي أن أكون أول من يصفق على بعض التفاصيل التي تصرخ بصوتِ اليتم، لا مشكلة لديّ أن تتآكل الذكريات بداخلي شيئًا فشيئًا، دون أن تكترث للحظاتِ الفارقة بنهايتها، المشكلة، كل المشكلة، أن أقف أمامك، أن أقلم أغصان الهوى، أن ترتجف أطرافي والأرض معًا، أن تجرح الكلمة فمي، أن أحمل هذه المسافات والرياح الناشزة فوق رأسي، دون أن تدرك خطورة هذا الحب، دون أن تدرك فداحة هذا الصمت، دون أن تشعر بأن هذا الشعور المواتي، ما هو إلا نشيجٍ مكتوم من عمرٍ لن يتكرر إلا معك.

حسنًا.. ثمة جروحٍ جاثمة، مهما اندملت بفعلِ المراهم العاطفية، ستعاودك، ستنهش جلدك من فرطِ حساسيتها تجاه كل حزنٍ قد يعبرك برِقة، وجرحي الوحيد هو أنت.

لطالما كنّا معتلين بالانتظار، بمواجهة جثثٍ من اليقين، لكن الندم، أغلب الندم لم يكن إلا على حبٍ كان أشبه بالمستحيل، حبٍ تركنا في منتصف الموت تحت مسمى «شهداء الحب» دون أدنى خيار.

- هل تجهم كل شيء أمامك؟ هل انطفأ العالم في عينك؟ هل أعياك الشعور الأول؟ وأنت ترقص في البعيد! ترقص مع وحدتك، مع عدمك، مع صمتك، مع كل شيء مازال متجذرًا فيك! وأنت مشدود العصب؟

- هل لاحت الظلال بظلامها؟ قبل أن يتخلى وهج الشمع عن ارتعاشه!

- هل مازال العالم يسيل من عينك، كلما تقاطعت أقدارك باسمٍ يذكرك به، وكأن كل الوجوه باتت مأخوذة من وجهه، وكأن كل الأصوات تناديك بصوته!

إذن تتعاظم الغصة بدواخلنا، حينما نؤمن بأن هذه النهاية، ما هي إلا بداية تضاف إلينا من حيث لا نعلم، لكن في لحظة واحدة، تأتي تلك النهاية لتلغي كل بداية كانت تقترب منا بدافع الحنين..