حمقى لصمتِ العاطفة

سلمى الجابري
ما عاد بإمكاننا أن نتحدث مع من نحب وليس بهذا الصمت... «رينيه شار» ليس بعد عتمة الصمت المطوّل أي مجال للرؤية، أو حتى لعمى الحب الذي لا يبقي فينا ولا يذر، ليسَ هناك غير طريق واحد ممهد للهربِ، فنحن لا نستطيع أن نجزمَ على مشاعر لا يمكننا القفز بين فخاخها بالكثير من الهذيان واللهفة، دون أن نصاب بدوخة الفوضى، لم يكن داء الصمت الموحش إلا بداية لكل فعل لم نتوقع ردة فعله، إلى الآن لا أعلم لماذا نقول دوماً في لحظة احتراقٍ وكمد «أهلاً» بالقطيعة العاطفية؟ فـتُجيبنا في المقابل بـ«سهلاً» للتفاصيل الباكية. لم يكن صمتك المتدفق بجزيلِ الكلام إلا بداية لحبٍ أتسِعُ بين مداه وأتقلص، فأنا امرأة تستطيع أن تفرق جيداً بين الصمت الخلاق وبين الصمت السابق للعاصفة، وصمتك كان ملهمي ومازال، لكنني بتُ لا أحتمل نزعة الحب بالصمتِ، أحتاج أن أعيد لكلِ حواسي المُعطلة ربكتها، أحتاج لشهقة الأنفاس المتصاعدة نحو فضاءاتٍ لا أجوبُ سمواتها، أحتاج لصمتِ العالمِ من حولي، في لحظةِ ثرثرة عاطفيّة، أحتاج لصوتك، بقدر الصمت الفاصل بيننا. ولأنه قد يحدث أن نكون متطلبين متسرعين ومنقادين جداً نحو إشباع جوع مشاعرنا، فنحن حينها لا نرى ما يجب علينا رؤيته، ولا ننصت إلى ما يجب علينا الإنصات له، بل كل ما نفعله هو أن نظلّ حمقى لصمتِ العاطفة الذي كان ومازال يقصمنا من حيثُ نجهل، لذلك كلمّا أصبحَ الصمت بيننا حاداً كنصلٍ يمزق أحشاءنا ذاعَ بين مسامع وجدنا قلق المسافة، لا أحد له تلك القدرة العظيمة على أن يحتمل صمت من يحبه لعمرٍ أخذ من عمره دهراً، إلا وجُنّ. دون إنذار سأحمل ما تبقى من زحام الأفكار، وعبثيّة الحواس، نحو مطارح لا يطأها صمتك الموجع، فأنا لن أحتمل مجدداً أن أعايش كارثيّة الاحتمالات، ولن أحتمل أن أرابط بين كلماتك المتقاطعة، حتى أحلّ اللغز المنتظر، ولتعلم أنّ سطوة صمتك قبل أن تجلدني من أقصاي قد جلدتك قبل جنائزيّة المنتهى