تعتقد الفتاة العربية على مدى سنوات بعيدة، أن مشروع الزواج مخلّص لها من قسوة الأهل، وتسلطهم وقيود حياة الأسرة الكريمة، وأن الزواج هو السبيل الوحيد للحرية، ثم تصطدم في الزواج كهدف لبدء حياة أكثر أمناً واستقراراً، ومع اختلاف المفاهيم تكتشف، لأول مرة، شعوراً مقيتاً اسمه الخوف من هذا الشريك، ومن احتمال خيانته لها، أو سرقتها أو الزواج عليها، أو استغلالها والتضييق عليها، أو إهانتها، أو تمزيق كرامتها أمام الملأ، وهي جميعاً احتمالات واردة وبنسب عالية، يتزوج بعض الشباب اليوم، وهو يُبطن النية السيئة، ومن هنا تأتي النسب المرتفعة للطلاق، إلى جانب التسرع والاندفاع في الاختيار، وفي قرار الزواج واتخاذ قرار الطلاق بحد ذاته، وينقلب المثل الخائب «ظل راجل ولا ظل حيطة» إلى «ظل بيت أهلي ولا ظل رجل غير مضمون» وكل رجل غير مضمون اليوم. عندما ظهرت الفضائيات بانتشار عدد قنواتها في التسعينيات، أصابت الكثيرين بتخبط في القيم والقيمة، وصارت ما تلبسه مذيعة ما، هو المقياس للأناقة، وما تقوله من عبارات وردية، هو المعيار للباقة وصار زامر الحيّ لا يُطرب كالعادة، واختلفت الاختيارات لدى الرجل، وتنوّعت الشروط، فعادت لتشمل الوظيفة الجيدة كميّزة لفتاة عن أخرى، وربما فكّر أن تفتح له بيتاً ثانياً أو ثالثاً، أو بالأحرى تفتح لنفسها بيتاً أولاً، براتبها وتحويشة العمر الذي راح أجمله، مقابل أن يستر عليها، وقد تنعدم فيه معظم الميزات التي قد تؤهله للزواج الثاني أو الثالث، وحتى على المستوى المادي قد يكون غير قادر على تغطية مصاريف أكثر من بيت، ولكنه رجل لا يعيبه شيء، وهكذا نجد أن حاجة كل منهما لشيء عند الآخر، تدفع بكل منهما إلى تقديم تنازلات وتضحيات كبيرة منذ البداية، لكن الرجل في الأغلب يستغل حاجتها، ومالها، وأنوثتها، مقابل منحها لقب زوجة أمام المجتمع، ولا يقبل بشخصيتها نديّة له، قد يقول قائل ما الذي يجبرها على ذلك؟ في الواقع أن المجتمع النسوي نفسه هو الذي يشعرها بطريقة إرادية أو لا إرادية، بأنها لا قيمة لها؛ طالما لم تتشرف بحمل لقب «حرم فلان» مهما سبق اسمها من حروف الدال وكل حروف الهجاء! من يتخيل أننا لم نستطع، بعد، تجاوز هذه النظرة الدونية للمرأة وللزواج نفسه، على الرغم من المستويات الفكرية والمهنية التي حققتها المرأة، ولا تزال قادرة على الوصول إليها، يبقى الزواج في نظر المجتمع هو السهم الصاعد لسمعة فتاة، وهو أيضاً السهم القاتل لقلب الفتاة ذاتها، بعد الصدمة في شباب بلدها