رمد الذاكرة

سلمى الجابري
كم ينبغي علينا أن نحترق من ذكرياتٍ ترمدت، من تفاصيل طُمرَت؟ وكم ينبغي علينا أن نجوب أرصفة الماضي السحيق ونحنُ نعرج بالحنين والفقد؟ فرمد الذاكرة أصبح يُنكِّل بنا، يغتالُنا، ويحرضنا على العودة من حيثُ انتهينا، ليُجبرنا على الرجوع لتلك الأقنية المحظورة، ولغبار المشاعر المحمومة بكلِ خنوع الاشتياق ووجعه. قالها «أدونيس» في حين غرّة منا: «تنصب الذاكرة كل يوم أمامي فخاً من تفاصيل أيامي الغابرة». لا الأيام تنسى ولا نحنُ نتناسى، هنالك أمور تتوقف ذاكرتنا عندها عنوة، فتأبى المُضي قُدُماً، وترفض نفض الذكريات بسلام. هذا الحب المُعتّق يتفشى بين الأيامِ القادمة فقط؛ حتى يؤذينا بالحنين وبوجل الذكريات القديمة... لذلك لابد من اختراع رزنامة لا تعترف بالماضي، ولا تنظر للخلف بحزنٍ وبؤس. لابد من إيجاد علاج مُضاد لوباء النهايات العالقة بين حاضرٍ وماضٍ. لطالما كان لغم العاطفة يسحقنا ويبدينا عن بكرة أبينا. بكل سطوته وعنفوانه يكمن سحره، بكل تلك التناقضات وجلد الوجد سنلهث ذكراهم حتى حين، ببساطة وبصورةٍ مُصغرة؛ «لأننا حمقى الحُب المخلصين». للحد الذي لن نُقشر الغرام معهم إلا بين الأوراق، وبين تنهدات السهر وليالي الضجر، و لن نراهم إلا عند مرافئ الأحلام، ولن نسمعهم إلا بتمتمات الرسائل الصامتة، حتى لن نعانقهم إلا أمام أضرحة جثثهم الغائبة. أحياناً تُصبح الذاكرة مقبرة تفوح منها رائحة شواء التفاصيل الشهيّة بخبثٍ ومكر