صديقٌ على هيئةِ حظ

سلمى الجابري
لطالما كنتُ أكتب يا صديقي حتى استنطق الجرح الأخير، بكل عذوبته ومرارته، ما الجديد في ذلك؟ ما التعجب الذي أضفتهُ على حرفي بقلقك المستمر؟ صدقني لا شيء، فأنا اللغة التي لا تقرأ، والروح التي لا تُحتمل، أنا الموت المؤكد، والليل القارص. للأسف، لم أكن بارعة قط في النفاق العاطفي، ولو كان على سبيل المزاح، كنتُ امرأة عامرة ببرودة الانكسار، وكثيرة جداً كشظايا مرآةٍ حادة قابلة للطعنِ والجرح. يا صديقي لا تبحث عن مصدر هذه الخيبة، لا تنكش الذكرى بذكرى غابرة، فقط اقرأني بأقصى مشاعرك الطيبة، كن برداً وسلاماً لي، حتى ابتسم على مضض. يا صديقي علمني كيف يصبح قلبي زاهداً، وهو المثقل بحزن العالم، علمني كيف أشذب الذاكرة، وكيف أحتال على اللحظة الأخيرة بحياةٍ جديدة. يا صديقي كم أتمنى أن أعيش منبسطة بين ماضٍ رحل، ومستقبلٍ أترقبه بأمل، وأما عن حاضري فهو لا يهم، فأنا قد نسيته في غمرة انفعالي. إني أرهف السمع، حتى أنصت؛ ليتم العالم من حولي، فالسماء من فرط زرقتها حزينة، والنوارس من فرط تمرد بياضها جائعة، والنوافذ التي كانت تطل على الحلم الملون، باتت تطل على المشهد الأخير من قصةٍ بُترت نهايتها. اللحظة التي تفصلني عن مشاهدة زيف الحياة من حولي (أحتاجها). اللحظة التي تُنسيني عطبي، هي اللحظة ذاتها التي أتمنى العيش في داخلها، يا صديقي، كن أنت تلك اللحظة، بل كن الحظ الذي سيجعلني أبتسم للأبد