علوّ من حنين ووحشة

سلمى الجابري
كل شيء يبدو من الأعلى واقعياً إلى حدٍ كبير من السوء وقلة الحيلة، برغم قربي من الشعور السماويّ، إلا أن كل شيء من حولي يبدو كما هو ليس عليه، فمن هذا العلوّ الذي بدأت فيه بالهرب من جحيم الأرض، انحسر عني الشعور بالحياة، ذاك الشعور الذي كلما حاولت التملص من قبضته، خبا عني كلّ هذا الوجود، وكأن هذا الكلّ من كل شيءٍ قد تجهم أمامي دفعةً واحدة، وأنا التي تملك روح النوارس بخفّتها، تلك النوارس التي لا تكترث لصفاءِ الطقس ولا حتى لسوئه، النوارس التي تهيم بزرقة السماء، وبتلبد الغيم، هي من أنتمي لها في هذا العلوّ من الحنين والبرد. أجيلُ النظر نحو البعيد، هناك حيث يكمن السلام، كي آتيه بالذاكرة، باللحظة، وبثرائي الموسيقي الباكي، أبحث عن الأمكنة التي تحتشد فيها الأفكار الوليدة، الأمكنة التي يبدو فيها هذا العالم أكثر ألفة وصلاحاً، أغمض عين الواقع كلّما شعرتُ بضيق الشعور، فلا شيء يعادل لحظة صفوٍّ طارئة، حتى لو كانت مصطنعة، يكفي أنني قريبة، قريبة جداً من بكاء السماء، فكلما هطل المطر، أجدني تارةً أرقص وأخرى أبكي، هذا العلوّ الذي يبعدني عن أدران العالمين، يبقيني متوّقدة للحظةِ حبٍ أجهلها