على أحدهم أن يرتب حقائبنا

سلمى الجابري

 

على أحدهم أن يرتب حقائبنا، أن يجيد طيّ ذكرياتنا، كل ما سنحمله فائض عن حاجتنا، نحن نرحل، لا شيء يجب أن يبقى من بعدنا.

ينتظرنا سفرٌ طويل، وموتٌ في آخر المطاف، لا أحد سيبكي علينا كما تفعل أمهاتنا، لذا لا تلتفت لأي عويل. يا لرتابةِ الرحيل، لم نجئ هنا لنستريح، نحن نعبر سريعًا، لا نبقى، لم نتجذر كفاية، من ضرب جذعنا بالمعول، حتى سقطنا لهذا الحد؟

سيمضي، سيمضي كما هي العادة، ستعير قلبك للمارة، سترمي جسدك للشوارع، للأقنية المعتمة، ستنتقل بين أسرة المنازل، ولن تجد سريرك، ستضع رأسك فوق صخرة، فوق أكتاف العابرين، وفوق الهاوية، لن يهمك أين سينام تعبك، بقدر ما سيهمك أين سيمضي حزنك بهدوء دون أن يصرخ.

الناس تحدق، في وجهي، في ألمي، يحدقون في قلبي، إني واضحٌ للغاية، شفافٌ للغاية، لم أستطع ستر وجعي، إنها خيبتي الأولى، يا الله دعها تمضي دون أن أُفضح أكثر.

لا تنس المرات التي بكيّت فيها وحيدًا، المرات التي لم تستطع أن تخبرهم بأنك تنتهي، بأن كل شيء يفلت منك وينزلق، ولا يد تساعدك على النهوض، لا تنس ألمك بعد الحب وقبله، لا تنسه يا صديقي.

أنت لم تصدق ما يقوله الآخرون، حينما قالوا بأنك مثل الذي عاد من حرب، كل شيء فيك منهك، معطوب، أنت مصابٌ في قلبك، في رأسك، في ذراعك، في عينك، أعضاؤك تم بترها، لكنك لم تمت بعد، ما زال الهواء يملؤك، أنت تعب ليس إلا، كلنا نخوض حربًا أمام مشاعرنا، ثمة من يصل إلى خط النهاية وهو يتمايل حبًا، وثمة من يخسر كل ما فيه، يتم استنزافه باسم الهوى، لكنه لا يصل إلى أي مطرح، يبقى واقفًا مكانه، وكأنه فزاعة، نعم هو فزاعة الأحزان والخيبات، يتم نقره، وثقبه حتى يسقط مرةً واحدة.

ستجيء من أكثر اللحظات اعتيادًا، لتسكب كل ما فيك من حلم، من ألم، لتعاود الكرة وكأنك لم تخذل قط..