عن الشعور.. بأبعاده المعقدة

سلمى الجابري

أيها القلب كم تتعثر كثيرًا، تخفق بشدّة، تشعر بأنك قد وجدته، بأنك وجدت الحب، فتحاول الإمساك به بكل ما فيك من جنون، تجاري ذاك الشعور الخاطف، بين مدٍ وجزر، ثم تلعب لعبة الاختباء معه، فلا يسعك أن تعثر عليه، حتى تجده بأنه قد سارع بالهرب حقًا.

تتألم، تتخبط، تكره لأول مرة، تشعر بالغصة، الحياة بدأت تفقد ألوانها، لا أحد يأخذك من ضياعك، تفقد الكثير منك، أكثر بكثير من كل ما قد أسرفته في لحظة حب، لكنك وببالغ الدهشة، ستكرر الأمر، ستعاود لتجرّب حظك، لتطيل الصلوات، أن تمنحك الأقدار المشاعر المرجوّة، أن يبدد لك الغرام كل نوبات البكاء الآسنة، لتحظى أخيرًا به، كما لم تعشهِ من قبل، لكن دون جدوى.

عن الظنون السيئة، عن فزعها، عن بحثها الدائم عن صدرٍ تتكاثر بداخله وتتجذر، عن التوائها، عن ترسبها، ووجعها، عنها، عن التعب الذي يأتي معها، فلا عزاء له ولا مفر.

عن التيه الذي يخلقه العتب، عن الصمت الشائك، الذي يتبعه كل الكلام، عن الآه بين مفترق الطرق، وعنهم، عن الوجوه التي نحبها، ونبتعد عنها عنوة، عن الوجوه التي تحبنا، ويبعدنا عنها الكبرياء، عن الوجوه التي تشبهنا، ونشبهها، عن الوجوه المتشبثة بنا، عن الحب الذي نراه في ملامحها، رغمًا عن المسافات الممتدة بين جرح وآخر، رغمًا عن تشابه الأسماء، وتكرار الشعور، عن الوجوه التي تلغي كل وجهٍ يمر من حولنا، عن الوجوه التي لا تُنسى، لا تشيخ، لا تموت، ولا تتجعد، مهما طال بها الزمن واحتضر.

عن البَرد، عن تجمد الأطراف، عن اللحظات الباكية بالمطر، عن الذاكرة الممتلئة بالعِطر، برائحة الشعور، بالالتفاتة الأولى، باللمسةِ الأولى، عن دفء الحب، عن تمرّده، شسوعه، رحابته، ابتهالاته، عن عمقه المربك، عن الحياة الملونة، عن الحياد الذي يعقب كل شهقة بقاء، عن البقاء دون ذكرى، تستحق البكاء، عن العدم، عن اللا شعور، عن الشعور يا قلبي، بكلِ أبعاده المُعقدة، وعنّا..