كانت هنا مدينة

سلمى الجابري
كل شيء يموت؛ الخضرة، الألوان، وحتى الطرقات، كل التفاصيل التي نعتقد بأنها مازالت حية، هي في الحقيقة تحتضر. لكنه الصمت، تباً لهذا السكون الذي يبتلع الحياة، ولا يشبع، لا بل المشكلة في الزحام، في هذه الفوضى التي تجعلنا نتخبط كلما حاولنا التنفس، نختنق أكثر، نتكاثر بشكل أكبر، نستغل الأرض، الهواء، المياه، ولا نهدأ، حتى نرى المجازر، الرؤوس والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، وعلى صفحات الجريدة، أصبحت تغرينا الدماء، أكثر من السلام. لم نعد نحرك ساكناً إلا من أجل أن نعيث في الحياة وجعاً جديداً، جرحاً نتركه ينزف، وأماً تبحث عن صغارها، وصغاراً يبحثون عن رائحة أمهم. صوت البكاء يعلو، مشهدٌ يغلفه الغبار، لا أحد يوقف الدمار، ثمة من يحاول، وآخر يصفق، والبعض يتفرج، يحدق بدهشة ولا يتحرك، ثم يكتب بالخط الأحمر في صحف النهار الباكي: كانت هنا مدينة. كان هنا صغار يمارسون الطفولة بشكلها البريء، كانوا هنا يركضون وفي أيديهم حلوى وبقايا ضحكة، كانوا هنا يوماً، وكانت هنا نساء ورجال، يحبون الأرض ببساطتها، يدافعون عن وطنهم قبل دفاعهم عن منازلهم، كانوا هنا يوماً، وكانت هنا مدينة.