كانــت بداية راقِصـة

سلمى الجابري

ها أنا أكتبك كطفلةٍ مشاكسة كما أسميتني ذات غرابة، وأنا لا أكتب عن رجلٍ خافية ملامحه أمام وضوح تفاصيلي.

لكن أخبرني يا رجُل الغموض: من أي بلادٍ أنت؟ ومن أي تاريخٍ جئت؟ وكيفَ استطعت أن تعقد صداقة مع نورسي رغم أنه لا يحبذ الغرباء، ويخشاهم؟ والأهم كيف استطعت مجاراته من حيث أجهل؟ 

أتعلم أنّ هنالك شيئًا ما أثار حنقي بسببك، فأنا لم يقرأني رجلاً بذلك العمق قط.

لذلك أخبرني كيف لكَ أن تقشر المبهمات بذلك الألق؟ وكيف لكَ أن تحلق بي نحو ذلك الأفق؟

لم أختزل لغتي مُسبقًا لرجلٍ دلَف بي نحو فخاخ الأسئلة، وأنا التي لا تحبذ اللهث الطويل خلف الاستفهامات الحامضة؛ أصبحتُ الآن أركض نحوها بفضولٍ أمقتهُ.

دائخةٌ بين تفاصيل التفاصيل حد تَشرُّبي سطوتك المُثيرة على كلِ ما ترمي جنونكَ عليه، ألا تعتقد بأنه آن الأوان لنعقد صفقة عاطفية، نصعد بها نحو اللامنتهى، ثم نهبط مشدوهين بما اقترفناه من جنون الهوى؟ 

صدقني فأنا لستُ بحاجةِ رجلٍ يُبهرجني بين قصائده، ويكتُبني بعمقٍ تحسدُني عليه نساء العالم، ما أحتاجه فعلاً هو أن تجود عليّ بكثيرك، فقليلُك لا يُغريني؛ لذلك دع الأبجدية تشهقُنا بمفردها، وأسعى أن تُروض تمردي على السأم العاطفي قبل أن يُصبح تداول الأحرف بيننا عادة مُملة.

دائماً بين كرٍ وفر يجوبُ بنا الاشتياق إلى حيثُ لا نعلم، وكأننا نذوب أكثر فأكثر بين سياق الحنين بكلِ غرابته، واختلافه.

فتكرار التفاصيل وحتى الأماكن في غمار الحُب تُطفئ شعلة الشغف، وتجلد نزق الأحلام بروتينٍ ممل.

لذلك دائماً خلف كل نهاية باردة كانت بداية راقِصة