كره جامح

سلمى الجابري
عندما تكره شخصاً، تريد منه أن يكون كل شيء إلا ما هو عليه. (إيميل سيوران) في عمرٍ أجهله، كنتُ أضع يديَّ فوق قلبي بحذر أخافه، كنتُ ألفظ أنفاسي بصعوبةٍ بالغة؛ فقط حتى أتحسس عمق هذه المشاعر المتأججة بداخلي، قبل أن تهدأ، كنتُ بحاجةٍ ماسة أن أعي كيف يتحول الحب المتجذر بداخلنا إلى كرهٍ جامح. لم أكن أعلمُ حينها أن ما يبنى على الحطام، ستبقى أجزاؤه الداخلية متصلّة بكلِّ مظاهر الخراب، حتى حين، لم أكن أعلم أن تلك الأفكار المتخبطة، وكل المشاعر الدافقة، لن يستطيع إيقافها سوى كلمة واحدة فقط، وهي كلمة «أكرهك». فمن بعدِ الإفصاح عنها لمسامعنا ولهم، ستبدأ دورة الحياة من حيثُ ما توقفت، ستعود نضارة ملامحنا من حيثُ ما تجعّدت، وسنعودُ نحنُ لمشاعرنا الفتية من حيث ما قُصمنا، لا شيءَ سيبقى كما آل إليهِ، ففي نهاية المطاف لن يستمرّ هذا الكره بداخلنا بالتكاثر، فهو سيتوقف عندَ حدٍ ما، وهذا ما أتمناه لكلِّ نهاية أتت مخيِّبة للآمال، ولكلِّ الأحلام المُعلقة التي التصقت في عمرٍ رحل بمشجبِ السهر. فنحنُ عندما نشعر بالقهر، وبالخيبة التي جرّت خلفها الكثيرَ من الأوجاع، لن نشعر سوى بالكره، ولن نشعر سوى بغليان الأنفاس، ولن نرى الحياة ملونة كما هي عليه، بل بشكلٍ خاطف سترتدي الرماد بعبثيته ووحشته؛ لذلك كان يتوجب علينا مجابهة كل هذا الكره المتفشي بدواخلنا بسببهم؛ ولذلك كان يتوجب علينا الوقوف أمام اجتياحه بغضبٍ مضاد، وبسلامٍ لن نحصل عليه بسهولة، دون التخلص من سلبيّة أفكارنا المرتبكة من قسوتهم، ومن كل ألاعيبهم، التي انطلت علينا بسهولة غاشية. فعندما نصل لذروة الكره، فنحن نكره ذواتنا معهم أيضاً، وهذا أسوأ ما قد نشعره بهِ طيلة عمرنا المنصرم والقادم، والأسوأ من ذلك كله، هو أننا قد نشعر بأننا بحاجةٍ ماسة للانتقام، بحاجةٍ أن نعيد لكبريائنا الذي دُهسَ تحت وطأة غدرهم كلَّ ثقته وزخمه، لذلك قد نبحث عن كل ما يمكنه أن يؤذيهم فقط؛ حتى نضحك على ألمهم وعلى خوفهم وفزعهم، فننسى في المقابل أننا لم نضحك إلا على سذاجتنا نحن، ولم يكن انتقامنا منهم، إلا قصاصاً جديداً يضاف لذاكرتنا، كما سيؤلمنا بعدما ننتهي من مهمتنا الانتقامية بجزيلِ الندم. لذا أختم كل نهاية «الآن أصبحتُ متصالحاً مع نفسي، مع الحياة ومع الجميع بلا استثناء»، ثم امضِ في طريقك مبتسماً، وستشعر بخفة، وبأن جميع الهموم التي كانت تثقلك، قد سقطت من فوقِ كاهلك، حد رغبتك بالطيران