كل فتوحات الحب بدأتها من صوتك

سلمى الجابري

 

لا شيء يمكنه أن يكسرني إلى هذا الحد، كما يفعل بي صوتك المنهك، المُتعَب من هذا الحب، صوتك الذي أودع الله فيه حرائقي، طُهري وبكائي، هو من يقف حائلاً بيني وبينك بالكثير من الحياة.

كل فتوحات الحب التي قد دخلتها كانت بدايتها من صوتك، فبيني وبين العالمين جسور صماء، لا أسمعها إلا من خلالك.

العالم من خلفك، يختنق يربض، ينتفض، يبحث عن مدار آخر، لا تشتبك به الأصوات الحادة، كلما أغمض عينه واحتضر أمام هذا الضجيج.

معك كل المشاعر أبصرها، أفض نزاعها، أتصالح مع عدوانيتها المسالمة؛ كي أحظى بصوتك.

معك لا بأس إن عدتُ للعصورِ الأولى، لزمنِ التقشف، التصوف، للعقد القديمة، طالما ستركض بي على نحو ليس بعيدٍ عن مداك.

في الخارج الكل يشيخ، فصوت الحنين ستسمعه بداخلك كالصلاة، كتمتمات الرحيل التي لا يمكنك أن تفهمها في بادئ الأمر، ثم وبكل ما أوتيت من ضعفٍ ستنحني للانتظارِ كمن ينحني الجميع للحب رغمًا عن وجعه.

لا تكن بعيدًا عني أنت وصوتك، فأنا أعجز عن مداراة اللهفة بمفردي.

لا تهاب هذا التخدير العاطفيّ، فإني أتدفق بين أوردتك كلما تخثرت اللغة بفمك.

معك أعبر كل الأمداء المضيئة دون أن يتوقف بنا الجنون، فأنت قد نشبت بقلبي كل الأقدار الوافرة بالسلام، وحدها الأصوات قادرة على أن تبدد ظلمة الليل الشاحبة بضحكٍ وأغنيات بهمسٍ وصمت، وعلينا أن نبحث جيدًا عن الصوت الباقي فينا رغمًا عن الرحيل، وعن لحظة التلاشي، حتى نستمر بظلامنا وبضوئنا، دون أن تنقطع الحياة من ملامحنا.

ما من امرأة تتحسس وجهها، تجاعيدها، ويديها، إلا وقد بدأت، من حيث توقفت بها، الحياة ورحلت.

وأنا لم أكن أملك كل ذلك الوقت كي ألاحظ ما أحدثته فيّ من فرق، أنت جئتني من غياهيبي بإقامةٍ شرعية، حتى تعطي لكل تلك المشاهد بعدًا دراميًا؛ كي تشعرني بالبعثِ كلّما لاحت المشاعر أمامك، وانتفضت.