لم تكن محض صدفة

سلمى الجابري

 

لم تكن هذه المرّة الأولى التي أختار فيها جميع الخطوات التي سأقوم بها في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، كل ما أنا عليه الآن لم يكن تحصيل حاصل، بل أنا التي تجاهلت كل الآلام التي تعقب خيبات الأصدقاء، يأسهم، ابتذال أفكارهم؛ كي أتلذذ بعبثيّة الحياة بمفردي، دون أن تؤثر فيَّ فكرة رحيلهم، بقائهم، خيانتهم، أسرارهم.

فأنا مثقلة بأسرار البسيطة، مثقلة بوحدتي، مثقلة بالعوالم التي تسكنني وأعتنقها، لا حاجة لي للمزيد من خبايا الأصدقاء.

كل شيء صار معي بانتظامٍ مدروس، لم تكن محض صدفة؛ فأنا القانون الذي جذبك إليَّ طواعيّة.

البداية كانت عصيبة، ككل البدايات التي لا تعلم من أين ستبدؤها، لكنك مجبر على الاختيار، على المضي قدمًا، لكني كنتُ أعلم جيدًا أين سأجدك، أتصدّق هذا؟! والأكثر من هذا كله؛ كنت أخطط طويلاً، كثيرًا، وبشكل معقد جدًا؛ كيف سيكون وقع كلماتي عليك، كيف يمكنني أن أجعلها أكثر تأثيرًا وسحرًا، دون أن يخفّ بريقها لديك.

لم أنتظر يومًا أن يخبرني أي عابر بما يجب عليَّ فعله، لم أنتظر أن أتقاسم اختياراتي مع من حولي، لم أكن بهذا القدر من العجز؛ كي أقوم بتحليل ما بين السطور، وأنا على هذا النحو من القلق والخوف من نتيجةٍ لم تكن في الحسبان، بل أنا التي لا تقول ما ستفعله، ما ستخططه، فكل الأشياء الصغيرة أحتفظ بها بداخلي، فالأقدار ستجعلها تكبر، تنضج، تتعلم وتخطئ، ثم تنجح، لن تجعلني انفعالاتي المتسرعة نحو الحياة أقلّ خفة وشغفًا، بل سأمارس لعبة الظهور والاختباء؛ حتى أصل إليَّ، ككل الأشياء التي لم نتوقع الحصول عليها، لكننا في النهاية نملكها في اللحظة التي يئسنا منها. .