لم يعد بمقدوري أن أعاتب أكثر

سلمى الجابري
| إنني وبصورةٍ ما، ما زلتُ أجتاز الوجوه العابرة كلّما اقتربتُ من الحياة، وكأن من بين كل تلك الملامح لا توجد وجوهٌ باقية، وجوهٌ تبتسم لروحك، تُحبّ قلبك، تحادثك بلطف، تحذرك بخوف، تكونك عندما تغيب، وتبكي كثيراً عليك إن رحلت. إنني وبصورةٍ ما كبرتُ كثيراً، للحد الذي لم يعد بمقدوري فيه أن أعاتب، أن أواجه، أن أمنح الأعذار للجميع، بينما لا أحد يمدّني بالقوةِ غيري. إنني وبصورةٍ ما بدأتُ بتجميع الصور الناقصة من حولي، فلم يتراء لي مسبقاً أن أفيق على كذبةٍ كانوا هم أبطالها. إنني وبشكلٍ ما اعتدت على ألا أنتظر الحب أكثر مما يفترض، ففي النهاية من سيحبني لن يترك يدي عرضة للخواء. إنني وبشكلٍ ما لن أكون أنا تلك الصورة التي يرغبون في رؤيتها، بل سأبقى متمثلة في رقّة الغروب، في قسوة الليل، في دلال الرسائل وبجنون الحب. كلٌ منّا يحمل بداخله تناقض الكون ورحابته، لستَ وحدك من يحمل العالم فوق عاتقه ويمضي، فأنت لستَ زائداً عني أو عن غيري حتى تلقي بكل تلك المشاعر دفعةً واحدة وكأنها لم تكن بيننا، لستَ مختلفاً إطلاقاً كي تختلق الأعذار بكذبٍ يشوّه صورتك في عيني أكثر، فجميعنا بإمكاننا أن نضخم الأكاذيب حتى نكاد نصدق بأنها حقيقة، لكن ما لم تعتَد على معرفته هو أني أعرفك، أعرفك جيداً أكثر مما تتوقعه أو أتوقعه أنا، صوتك هذه المرّة على سبيل الجرح كان يكذب، تلك النبرة المرتعشة بداخلك المصحوبة بالهدوء المبالغ فيه كانت كاذبة، مملوءة بالكلمات التي لا تمثلك، لكنك قلتها، وكأنك تريد الانشقاق عني بأية صورةٍ كانت. حسناً.. ارحل وعِش كيفما تريد، لكن لا تسلك الطرق الملتوية كي تمنحني حباً لا تجيده إلا بالكذب