مشاهد مُشفّرة

سلمى الجابري
عندما تحين النهاية؛ فكل شيء يبدأ بالانقضاء تباعاً.. أغمض عينيّ، أغمضهما أكثر فأكثر، حتى أحتفظ بأكبرِ قدرٍ من ذاك الانخطاف المشع، الذي أحاول أن أبقيه بعيداً عن يد رهاب الرحيل، لكن دون جدوى يا الله؛ فثمة موسيقى باكية تتمايل ألحانها في المدى، ثمة دمع يراق من عينِ السماء، ثمة غصة لا تتجاوزني إلا بعقدٍ عاطفيّة، ثمة حياة لم أنتهِ منها بعد، كي أنتهي أنا. لذا أحجبُ عني ما تبقى من الرؤية حتى أعود إلى ممارسة الحلم الأول، ذاك الحلم الملائكي الذي بدأ من عنده كل شيء ولم ينتهِ بعد؛ فالصورة التي تعكس مدى بهجتنا هي ذات الصورة التي ستجيد قصمنا كلما استطال الغياب بنا. ثمة صورٌ قد بقيت بداخلنا ناقصة، لم تحتفظ الذاكرة بأجزائها حتى لا تؤلمنا فيما بعد، وهذه المشاهد المشفّرة هي ما تبقينا على أهبة الحنين والبحث عمن غاب فينا، عمن بقي، وعمن احتضر ومات. أعاود نفض الذاكرة، أجول في مخيلتي الغابرة، ألتفت يمنة ويسرة، أشهق بخوف، الظلام هنا يعوق سيري، وما من ضوءٍ يطلق سراح عيني كشمعةٍ تلوذ باحتراقها عن خبث العالمين؛ فلا شيء يا الله يشذب هذه الهموم المتضاربة فيّ سواك. ماذا لو اكتفيت بالانزواء والاختباء؟ ماذا لو لم يجدني أحد، أو لم أجدني حتى؟ من سيكترث بالصدع الذي بداخلي؟ غير العدم! حسناً لا بأس؛ فكل الأشياء هنا ساكنة، تماماً كما تركتها، النافذة المطلة على الخواء هي ذاتها النافذة التي وقفت أمامها مطولاً، مرّة بسببِ التفكير، ومرة أخرى بسببِ حلم سيئ ومرات عدّة بسبب البكاء، إذن لا شيء يستحق الخوف كما توقعت.