أكاذيب

مبارك الشعلان
أبريل على الأبواب وكثير من الناس لا ينتظرون أبريل حتى يكذبوا. فهم يكذبون على مدار العام، وكذبة أبريل هي مكافأة نهاية الموسم، فآخر دراسة تقول إن الناس في أميركا يكذبون 200 مرة في اليوم، وإذا صدقت الدراسة فإن الأميركيين يكذبون أكثر مما يتنفسون. في لبنان أظهر برنامج إذاعي لبناني أن هناك سبعة من أصل عشرة لبنانيين يلجأون إلى نوع من الكذب؛ ليحافظوا على علاقاتهم الجيدة، وأن أربعة من عشرة يمارسون الكذب؛ بسبب طبيعة عملهم، فيما يرى اثنان من عشرة أنهم يعانون من آفة الكذب التي ترافقهم منذ الصغر. وإذا كنت أكتب اليوم عن الكذب الأميركي، والكذب اللبناني فهو لإعطاء عينة لا أكثر. فكل شعوب العالم تكذب. وبعضها يستحق جائزة دولية للكذب، والكذب عموماً لا يشبه بعضه، فهناك كذب محلي، وآخر مستورد، وثالث أبيض، وغيره أسود وهكذا، فكذب اللبنانيين مثلاً يعتبر «صدقاً» بالمقارنة «بالكذب» الأميركي. فإذا قالت اللبنانية «تقبرني على ها الجمال» لشخص علاقاته مقطوعة مع كل ما هو جميل، فهي ليست كاذبة بقدر ما هي «مزوقة» و«مهضومة»، وعلى طريقة وديع الصافي «حلوة وكذابة». يا أغلى أحبابي، ولكن بالتأكيد أي أميركي يكذب عندما يقول: إن نتنياهو رجل سلام مثلاً، أو أن مونيكا غير مذنبة. والصراع بين الأكاذيب والحقائق، صراع أزلي، ولكن في المرحلة الأخيرة أصبح هذا الصراع يشبه الحرب الباردة، فأصبحت هناك هدنة بينهما، ولكن مشكلة الحقائق أنها تمشي ببطء، فيما الأكاذيب تلف العالم بسرعتها، فأصبح هناك فائض عالمي في معدلات الكذب، فكل الشعوب «تصدر» أكاذيبها. المشكلة أنه بالرغم من هذا الفائض فهناك طلب على هذه الأكاذيب، فالصحف تبيع الأكاذيب، والناس يتلقفونها ويعيدون بيعها، ويروجونها مجاناً. بعض الناس يكذب لطبيعة مهنته، فالسياسي مثلاً يحتاج أن يكذب بشكل مضاعف، وإذا كذب بشكل أقل فهو سياسي فاشل، البعض الآخر الكذب بالنسبة له هواية، فهو يمارس هوايته بشكل منتظم؛ حتى لا يفقد لياقته في الكذب، نوع ثالث يكذب دون وجود حاجة تستدعي الكذب، مثل ذلك الطفل الذي قال عنه والده: إنه يكذب دون أن يكون هناك ما يستدعي الكذب، مما يبشر بمستقبل سياسي باهر. التجربة أثبتت أيضاً أن النساء يكذبن، بمعدلات تفوق الرجال. فكذب الرجال هواية، بينما كذب النساء احتراف. المؤكد أن كل شخص يكذب إلا شخصاً لا تخرج كلمة كذب واحدة من فمه؛ لأنه يتكلم من أنفه، أو تتكلم من أنفها شعلانيات: | قمـة الأدب أن تنصت إلى شخص يحدثك في أمر أنت تعرفه جيداً وهو يجهله. | الوقت عملة حياتك، وأنت وحدك تستطيع أن تحدد كيف يمكن أن يُنفَق، فاحرص على ألا تدع آخرين ينفقونه بالنيابة عنك. | إذا فشلت في رفع أحد لمستوى أخلاقك، فلا تدعه ينجح في إنزالك لمستوى أخلاقه. | لا أدري، بأي منطق يستنكرون استعباد الفرد؟ ويستسيغون استعباد الشعوب؟