أنا لن أعود

أميمة عبد العزيز زاهد

وتقول لي عودي، يا لك من رجل أناني، حتى في أحلك الظروف تنسى أنني امرأة، تنسى أنني أنثى، كما تناسيت من قبل أحاسيسي ومشاعري ونبضاتي وخفقاتي، ألن تنسى ولو لمرة واحدة بأنك السيد وأنا الجارية، لم يخطر ببالك ولو لمرة واحدة فقط أن تنسى أنك رجل تفعل ما تريد، تكذب تنافق تستهتر تخون تهمل وتهجر، وأنى امرأة أفعل ما تريده أنت؟ ألم تجرب مرة واحدة أن تضع نفسك مكاني؟ أما جربت مرة أن تحس بمشاعري؟ أن تتجاوب مع أفكاري؟ يا لك من مغرور ومكابر تريد مني أن أعود إليك، أنت تهذي بالتأكيد، بالله عليك قل لي لماذا أعود؟ ولمن؟ ولأي شيء؟ أمن أجل سيد نسي واجباته وتذكر فقط حقوقه؟ أم من أجل سيد نسي مشاعري وأحاسيسي، وتذكر مشاعره وأحاسيسه، رجل أضاع كل شيء ودمره وقتله ومشى في جنازته، ثم يريد بعد ذلك أن يبعث فيه الحياة من جديد؟ أسمعت في عمرك كله عن إنسان مات ثم عادت له الحياة؟ إنه لم ولن يحدث أبداً، إن الموت لهو رحمة من الله، أنت خنقتني، كتمت أنفاسي، جرحت مشاعري وكبريائي، واغتلت كل معنى جميل في حياتي، وتريد مني أن أعود إليك، لقد مات الكلام ولم تعد هناك أمانٍ ولا آهات ولا دموع للرجوع، أنت من قتلت حبي بالعناد، وبقسوتك قطعت حبال المودة التي كانت تربطني بك، وجنيت على قلبي، وغدت السنون التي مرت بنا كالسراب، إن قلبي أصبح يعيش الآن كالمنزل المهجور، لا أحد يسكن فيه؛ فلم يعد فيه مكان للحب ولا للعواطف؛ فلن تجدي النظرات ولا التوسلات ولا الوساطات بإقناعي بالعودة؛ لقد مللت هذه الأساليب وتعودت عليها؛ فلم تعد تؤثر فيَّ، إن أذنيّ تصابان بالصمم عندما تتكلم، وعينيّ لا تريانك، وقلبي لا يحس بندائك ولا مناداتك؛ فمشاعري تحجّرت وما عادت تحس أو تشعر بما تفعله أو تقوله، أبداً لن تكون هناك عودة، وليس هناك سبيل للرجوع، لقد انطلقت الصرخة، انطلقت الاستغاثة ولم يعد هناك مجال لإرجاعها، والقلب مليء بالجراح؛ فعمري ضاع سدى بسببك، وقلبي ظُلِمَ وغلَّفه الحرمان؛ فلا تتوهم يوماً بأن أعود؛ فما كسرته صعب إصلاحه؛ فقد انتهى كل شيء بيننا.

يا لك من قاسٍ وظالم أضعتني وضيعتني، أنا لست نادمة على مغادرة عالمك، فقط دعني وشأني، لعلي أبدأ ببناء نفسي من جديد، وسأحاول أن أدفن ذكرياتي وآهاتي، وفصلت من صبري ثوباً أرتديه لأستطيع أن أحيا به في هذا الظلام الذي عمّ حياتي بسببك؛ فغربة السنين التي عشتها معك قد أنستني الشوق، وها هي الأيام قد مضت بعد أن تغيرت أعماقي ومشاعري، وحتى تصرفاتي، وتحوّلت الساعات إلى فراغ موحش، والمشاعر المرهفة إلى مشاعر متبلدة، نعم لقد كسرت قيودك وأخذت حريتي؛ فلا تناقشني أو تحاكمني من أجل ذلك، أرجوك وللمرة المليون أن تكف عن محاولاتك؛ فأنا لن أعود. .