إلى والدي

محمد فهد الحارثي

 

يقف الزمن حائراً أمامك أيها الكبير. واقف متأملاً هذا الفضاء الواسع من الفكر، وهذا السخاء في العطاء، وذلك المحيط الهائل من التسامح. ما أجمل أن يكون الكبار بجوارك تتأملهم وتخاطبهم، ويشعرونك كم هي الحياة راقية وعظيمة وغنية.

نعم.. فرقي الحياة من سمو أسلوبهم، وعظمتها من عمق نقائهم، وغناها من حجم عطائهم. الزمن يكشف لنا مع مرور الأيام عمق الأشياء واختلافها. وتجعلنا ندرك كم نحن محظوظون وكم هي الحياة كريمة معنا.

منك ومعك تعلمت الامتداد الواسع للأشياء والفضاء الكامن في داخلنا، وليس في ما نمتلك. أشياء كثيرة اكتسبها كل يوم من حجم الحب الذي تكتنزه للجميع، ونهر التسامح الذي يفيض فيسعد من حولك. منك تعلمت أهمية الصدق، ما عادت تغريني الفلاشات الخاطفة والألوان الفاقعة. أشياء عابرة لا تعني شيئاً. ضجيج ينتهي بمجرد الصمت. صفحة في هامش الحشو لا أكلف نفسي حتى قراءتها.

يا والدي وسيدي ومعلمي.. تأخذني مسارات الحياة إلى مسافات بعيدة وتنقلني الأماكن إلى فضاءات أخرى. لكنها لم تأخذني منك أبداً، بل كانت مع غروب كل يوم تؤكد الحقيقة التي أعرفها: لا شيء يوازي وجودك وحضورك في حياتي. وليس هناك من حكمة اكتسبتها إلا وأدركت أنني استلهمتها من مدرسة فكرك وأسلوبك. شعور غريب لا تدري هل هو مثل العودة إلى المستقبل، أو مستقبل سبق وقته فارتشفنا من تجربته.

تفاجئنا الحياة بأن ما بين أيدينا هو أغلى مما نلهث خلفه. وأن المحبين لنا هم الذين يبقون معنا أينما كنا. هم ملهمون لنا يمنحوننا، من دون أن يتعمدوا، طاقة إيجابية في الحياة يجعلوننا أكثر تفاؤلاً ورغبة في استكشاف الآخر وتقبل الآتي بصدر رحب. إنهم يقدمون لنا البعد الثالث في طبيعة الأشياء التي نفكر فيها، وهو البعد الإنساني الذي يبنى على المشاعر، ويوظفها من أجل سعادة الإنسان. ولذلك سعادتي في حياتي ليس فقط لأنك والدي؛ بل لأنك أيضاً جعلتني أتعرف إلى حقيقة معنى كلمة إنسان.

اليوم الثامن:

لو نملك أن نعيش بعقول

اليوم أعمار الأمس...

@mfalharthi