إياك والفتن

أميمة عبد العزيز زاهد
| هناك من يحاول أن يرفع قدره بالتنقيص من قدر غيره، وأمثال هؤلاء لا يرون إلا بعين الحسد والغضب والحقد والغيرة، وتستخدم هذه العينة أساليب مختلفة كالسخرية والاستهزاء والهزل والتشويق وجذب الاهتمام وحب الظهور، وحاجتها إلى مشاركة غيرها في رغباتها ومخاوفها وعداوتها للطرف الآخر، حتى تشعر بالأمان والثقة لتحرر مادة جديدة للتسلية والحديث وتمضية الوقت والخوض في الفضول والباطل، أو يكون بهدف التحريض والإثارة والمتعة. وصاحب هذه الفتن يستلذ ويستمتع في الدنيا بالتعريض بالآخرين، لكنه سيندم في يوم الحساب، عندما تعرض عليه أعماله وأقواله لقوله تعالى: «يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها». فالفتن سلاح تفوق أضراره أكثر الأسلحة تدميراً؛ لأنها تمس النفس البشرية وما تحتويه بعض القلوب من الحقد والحسد والغل والتشفي، وما يعانيه البعض من أمراض نفسية ومعنوية لا حصر لها من السخرية والنميمة والغيبة، وإفشاء السر والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه الضحك، سواء كان بالتقليد في الفعل أو القول، أو بالإشارة، هي من أعظم الخطايا، وكل إنسان مغتاب نمام كذاب، لابد أن ترد شهادته ولا يجد له صاحباً ولا صديقاً، كما أن البعض أصبح يتهاون بإطلاق اللسان باللعن، سواء كان إنساناً أو حتى حيواناً أو جماداً، والمؤمن كما قال عليه السلام ليس بلعان، وهناك آفة سوء الظن وهي منهي عنها. وسبب تحريمها أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فأعتقد، وربما، وأظن، ويمكن، وإلى آخره من المرادفات، كلها تنم عن سوء الظن، فلا يخدعك الشيطان حتى يجعلك تظن بأخيك وتغتابه وتهتك ستره، ولو خطر لك وسواس من نفسك أو أخبرك به غيرك، فلابد أن تدفعه وترفضه وتحسن الظن بأن ما رأيته أو سمعته يحتمل الخير وليس الشر، وأن تدعو له في باطنك بالصلاح؛ ودائماً ما يثمر سوء الظن بآفة أخرى وهي التجسس، فعندما يشك الإنسان في أمر يبدأ بالبحث والتنقيب والتحقيق ويواصل في محاولة الاطلاع ويكشف ما ستره الله وما أكثر خبايا القلوب، منها ما نعلمها ونستعيذ منها، وأخرى نمارسها وأحياناً نتجاهلها وهذه الفئات لا يخرج حديثهم عن التفوه بالكلام المستكره الموحش المؤذي للقلب المنغص للعيش والمثير للغضب والموغر للصدر، أو عن التفكه بأعراض الناس أو الخوض في الباطل، ومن هنا تبدأ الخصومة والتي هي مبدأ كل شر، فكلمة قد تهلك صاحبها في حين أنه يستحقرها، ويبرر ذلك يوم القيامة بقوله كنا نخوض مع الخائضين، ونسي قوله تعالى: «فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم»، إن من يمتلك تلك الصفات الذميمة إنسان بلا أخلاق أو ضمير يسعى وراء الناس بالنميمة، والكذب يطعن الأبرياء في ظهورهم وسلاح جريمته لسانه، وكم دمر هذا اللسان حياة كثيرين، إن المسلم الحق من سلم الناس من يده ولسانه، فذكر عيوب الغير هتك لستر الله على عبده، وللعباد حقوق قد تنتهك بكلمة، فمن أراد أن يشتري ستر الله ورحمته، فليبتعد عن كل ما لا يعنيه وليقل خيراً أو ليصمت