خلقنا الله في هذه الحياة كالصفحة البيضاء وحدد لنا معالم الطريق لبناء الأرض وتعميرها، ووضع لنا الأسس التي نواجه بها مصاعب الحياة ومتطلباتها بقلوب آمنة لحياة سعيدة ومستقرة، وأمرنا أن نترفق ونتعاون ونتسامح ونحب ونعفو ونحسن الظن بالآخرين، وفي نفس الوقت خلقنا ومقاييس الخير والشر تختلف بيننا، فلا وجود لشر مطلق أو خير مطلق، فنحن مخيرون برسم خريطة حياتنا.

ويظل الصراع قائماً بين الخير والشر، وكلاهما لا يكف عن ملاحقة الآخر، فالشر يسعى لتأكيد وجوده وفرض هيمنته، والخير يصارع من أجل البقاء في تلك المواجهة الشرسة، وقد ينتصر الشر في البداية، لكن سرعان ما يحول الخير هزائمه إلى انتصارات، ليؤكد دائمًا أن الأصل في الدنيا هو الخير، أما الشر فهو الاستثناء وما يدلنا على هذا الاختلاف أن هناك بعضًا ممن نقابلهم من الوجوه الجميلة، مع الأسف لا تعكس لنا سوء أعماقها، فنخدع بهم وننبهر بهم، وبعد التعامل معهم نصدم فيهم، وقد نصادف وجوهًا لم يمنحهم الله جمال المظهر فنظلمهم بحكمنا عليهم، ولكن بعد عشرتنا لهم نعرف كم تمتلك أعماقهم الكثير من حسن الطباع، ونلمس طيبة ونقاء تسكن في قلوبهم، وهناك وجه سمح متواضع يدخل إلى أعماقك دون استئذان، وهناك من يعكس وجهه صورة المتعجرف المتغطرس المتكبر، وتشعر في عينيه كل حقد وحسد، وينعكس ما في أعماقه على تقاسيم وجهه ويجهل بأنه يفسد على نفسه الشعور بالأمان النفسي، لأننا عندما نطهر أعماقنا من الحسد والحقد والغيرة والأنانية تصفو لنا الحياة وتصفو وجوهنا وتتجمل ملامحنا، فالحسود يكون أشد نكدًا وغمًا من حاسده، فهو يصاب بالهم والغم كلما رآه سعيدًا، كما أن هناك عينة تتفنن في التقليل من شأن الآخرين أو الاستهانة بقدراتهم والحط منهم؟ وآخرون برعوا في إرهاق غيرهم دون وعي وبصيرة بعواقب الأمور، وكأنما يتلذذون بالضغط عليهم من خلال ممارسة قوتهم ويظنون أنهم يكسبون قيمه إنسانية رفيعة وعالية،

وهناك من يكرهون النجاح، أسلوبهم هجومي يحاربون أي إنسان ناجح، وقد يلفقون له الاتهامات الكاذبة، وينشرون الإشاعات المغرضة، ويشككون في قدرته ويشوهون صورته، المهم أن يسيئوا إليه بأي شكل من الأشكال ويرون أنهم أحق منه وأن الناجح أخذ ما لا يحق له ومُنح أكبر من حجمه.

هي نفسها تلك الفئة التي ملأ الخراب نفوسها وعمر الشر في قلوبها، هم أنفسهم تلك العينة التي تفسد في الأرض، هم الكذابون والمنافقون، هم من يقطعون أرحامهم، ومن يتهمون الأبرياء، هم من نادوا بالحق وهو باطل، وبالباطل رغم أنه حق، هم من يبثون سموم الحقد والغيرة والكراهية، هم من يسيرون بين الناس بالفتنة، هم من خانوا الوعود ونكثوا العهود ولم يراعوا الأمانة، عينات لا تستريح إلا إذا أحالت حياة غيرها إلى صراع مستمر ومتجدد.

إنه خيط رفيع يفصل بين الخير والشر، بين الظلم والعدل، بين العنف والسلام، وبين القوة والضعف، خيط رفيع واهن مثل خيط العنكبوت يقوى بالدين وبالضمير ليصبح أقوى من الفولاذ، ولكن يذوب ويتلاشى إذا انحدر من قلب علاه الصدأ. .