اللهم اجعل أجرنا عليك

أميمة عبد العزيز زاهد

 

.التسامح معنًى أخلاقي شرَعه الإسلام وحث عليه؛ فهو من أعظم قِيَم التعايش؛ فمبدأ التسامح يؤصل المحبة والمودة والتواصل الدائم، ويساعد على التكاتف والتكافل بين المجتمع، ويزيل البغض والقسوة والغلظة من النفوس، ويدعو إلى نبذ التعصب والعنف والكراهية، التي تبث الشحناء والعداوة وتغتال التواصل والألفة والمحبَّة؛ فالإسلام مظهره التسامح والعفو؛ لأنه دين عظيم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ فالآيات التي تنادي بالتسامح والعفو والصفح كثيرة.

والتسامح له أثر عظيم على علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وكذلك له فوائد صحية أخبرنا عنها علماء الطب؛ فقال بعضهم: إذا أردت أن تُقلل من ضغط دمك، وأن تخفِّف التوتر في حياتك؛ فعليك بالصفح والتسامح مع الآخرين، وأشار الخبراء إلى ضرورة عدم إساءة فَهم المعاني السامية للصفح والتسامح؛ فهو ليس نسيان ما حدث أو التغاضي عنه أو الإذعان؛ بل هو التخلي عن المشاعر السلبية بصورة وديَّة ومتابعة الحياة؛ مشيرين إلى أن العديد من الدراسات والتجارب أضافت إثباتات جديدة على أن للمشاعر السلبية تأثيرات ضارةً على الصحة العامة.

ويقول علماء النفس: إن التسامح عبارة عن إستراتيجية تحمُّل، تسمح للشخص بإطلاق مشاعره السلبية الناتجة عن غضبه من الآخرين بطريقة ودية.

هذا عدا آثاره الواضحة على شخصية الإنسان المتسامح؛ حيث يزيد من تقدير الذات، وقوة الشخصية، ويملأ علاقته بالآخرين بالمحبة والجود والسخاء، ويكفي بها حصول محبة الله، قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ فبالتسامح نعيش ونحب الحاضر بكل رضا، رغم ما يحيط بنا من ظروف، وبالتسامح نحب كل من حولنا ونتحرر من سوء الظن، ونعالج أخطاءنا وننقي ضمائرنا، وبالحب نداوي جروحًا تسبب فيها عدم تسامحنا؛ فالحب يكون من أجل أنفسنا أولاً، ثم من أجل الآخرين،

ولنجلس في هذه الأيام المباركة جلسة صلح مع أنفسنا، ولنسامح من حولنا؛ فنحن بشر ولدينا أخطاؤنا؛ فلنسامح حتى يسامحنا الآخرون، ولنسمح لمشاعر الغبن والقهر والألم بمغادرتنا؛ فهي لا تؤذي إلا أرواحنا وقلوبنا؛ فلا يدرك أهمية التسامح إلا من ذاق حلاوة الراحة، قَالَ الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِذَا وَقَفَ الْعِبَادُ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يُنَادِي الثَّانِيَةَ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ قِيلَ: مَنِ الَّذِي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ؛ فَقَامَ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا فَدَخَلُوهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ»؛ فكيف لنا أن نتخيل ونتصور أجر الله سبحانه، اللهم يا كريم يا عفو يا رحيم، اجعلنا منهم بكرمك وفضلك وإحسانك