ترويض الغضب 1

أميمة عبد العزيز زاهد

يعتبر الغضب ظاهرة صحية وطبيعية في الإنسان، ولكن لو زاد على حدّه؛ يتحول إلى عدوانية، فكل فرد منا معرّض للغضب، أو أن يواجه أمامه إنسانًا غاضبًا… فالغضب تنفيس عن المشاعر المكبوتة... فعندما ننفعل أو نغضب أو نقلق؛ تكون ردة فعلنا في الغالب مبالغًا فيها، حيث نبدأ بتضخيم وتهويل وتصعيد الموقف، حتى في أتفه الأمور؛ نتيجة إعطائها حجمًا أكبر من حجمها الطبيعي، ونصدر حكمنا ونحن بتلك الحالة، ونعاند ونصرّ على موقفنا، وقد نخسر في لحظة علاقاتنا بالآخرين، ولو نظرنا إلى حياتنا اليوم، وما وصلنا إليه؛ لبكينا على حالنا، فقد أصبح أي أمر يعترض طريقنا يصيبنا بالانفعال، سواء في منازلنا وداخل غرفنا، أو في العمل أو الشارع، أو في زيارتنا؛ أي من لحظة استيقاظنا وحتى لحظة نومنا. إن معالجة الغضب تتطلب منا التعرف على أنفسنا؛ بمعنى إدراك الأحداث والسلوكيات التي تفجر غضبنا، ومن ثم نتعامل معها بالتدريب المستمر، وهناك قاعدة لا بد أن نضعها باستمرار نصب أعيننا، لتزدهر علاقتنا بالآخرين؛ وهو أن الناس يختلفون في إدراكهم للشيء نفسه، ويعود ذلك لأسباب عديدة، منها ثقافتهم وتعليمهم وخبراتهم وعمرهم وبيئتهم والمستوى الاجتماعي، بل وحتى في حالتهم النفسية والصحية، فمن ضروريات تكوين العلاقات أن نعرف مَن الشخص الذي أمامنا، وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل معه... وأكثر ما يُبعد الآخرين عنا وينفرهم منا هو الغضب، وهل بيننا من لم يغضب يومًا؟! وأحببت أن أخص الغضب دون غيره من السلوكيات؛ لأنه أساس كل شكوى ومعاناة، ويكفي أنه عندما ذهب إعرابي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال له: أوصني. قال: لا تغضب. وأعادها ثلاث مرات، وهناك بعض الأساليب التي تساعدنا على ترويض الغضب وضبط النفس، ومنها أن نستشعر ونؤمن بأن الله تعالى قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} فلا يوجد إنسان خالٍ من الهموم والمشاكل، وعلينا أن نلجأ إلى أمور تبعث في نفوسنا الهدوء والسكينة والاسترخاء، ولن نجد خيرًا من كلام الله لنردده، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} كما ينبغي علينا اتباع ما حثنا عليه الرسول، عليه الصلاة والسلام، حيث أمرنا بالوضوء بالماء البارد؛ لأنه يطفئ لهيب الغضب، وبالجلوس إذا كنا قائمين، والاستلقاء إذا كنا جالسين، كما علينا أن نعود أنفسنا على قراءة قصص الأنبياء، والاطلاع على سير الصحابة؛ لنتعرف على كيفية معالجتهم لمواقف الغضب والتحدي والصبر، والتي لا مجال للمقارنة بينهم وبيننا، ولا بد أن نواجه أنفسنا بعد أي موقف بالسؤال التالي: هل حقيقي أن ذلك الموقف كان يستحق منا أن نضيع طاقاتنا ووقتنا ونستنزف أعصابنا؟ لحظتها سنجد أن معظم مواقفنا كانت لا تستدعي كل ما حدث. ونستكمل في المقال التالي بإذن الله.