طلب الرحيل

محمد فهد الحارثي

 

| لماذا يخذلوننا بعدما منحناهم كل شيء؟ لماذا يجرحون أجمل الأشياء وأطيبها؟ كيف يمكن لشخص يقسو على من يهبه أصدق المشاعر؟، ولو تحايل على كل شيء، كيف له أن يتحايل على الضمير أو حتى بعضه؟.

ما أصعب حينما يسقطون، هكذا، حيث في لحظة تنقشع الغيوم وتظهر الحقائق. ما كان بالأمس مستحيلاً أبت الأيام إلا أن يكون واقعاً. الوهم جميل وأحياناً نخدع أنفسنا بالصور الخارجية حتى لاننصدم في أحلامنا ومشاعرنا. أحياناً نتآمر من دون أن ندري مع هذه الصور الخادعة. من لهفتنا عليهم نغمض أعيننا عن الظلال لنركز بنظرنا فقط على الأنوار الفاقعة.

الحياة لاتتطلب منهم هذا الكم من الاحتيال والخداع والزيف. الحياة أبسط. لماذا يشوهون كل شيء من أجل لاشي؟ يخطئون إذا اعتقدوا أن الحياة معركة، وأن استلاب كل شيء، والاستحواذ بكل وسيلة، هو مصدر أمان وسر للسعادة. واهمون. في لحظة ما سيدركون أن حساباتهم كانت خاطئة، وأن وسائلهم لم تكن صحيحة، والمؤسف أن هذه اللحظة عادة تأتي متأخرة. كالوصول المتأخر إلى المحطة بعد مغادرة القطار.

نمنحنهم مشاعرنا، نعطيهم وقتنا وثقتنا. نفتح لهم النوافد قبل الأبواب، نجعل كل ممرات الحياة مشرعة لهم. ولا نمن عليهم العطا، بل نسعد أننا نحتنا من رصيد العمر زمنا واهديناه لهم، ونفرح أننا اختزلنا من كل الأشياء أجملها لنفرحهم. لنكتشف أنهم صعدوا السلم وحدهم، وأننا كنا فقط الدرابزين الذي استندوا إليه في رحلتهم. اختصروا الطرق لذواتهم، وتنازلوا عن جوهر الأشياء من أجل أنانيتهم.

لن تنتهي الحياة. هي مراحل نمضيها، وعوالم نكتشفها. وأشخاص نمحوهم من صفحات الذاكرة. لن تنتهي الحياة، بل ربما بدأت. فلدي يقين أن المعادن الأصيلة هي التي تبقى، وأننا متى قررنا أن نرفع رؤوسنا للنظر في الأفق الواسع سنجد العالم ينتظرنا بكل ألوانه الزاهية، ونكتشف عشرات الأبواب تترقب منا فقط المبادرة

اليوم الثامن:

يختطفون كل شيء، ويعتقدون أنهم رابحون

فليكن. لا أطلب منهم الكثير. فقط الرحيل..