فَقيـد قلبي

أميمة عبد العزيز زاهد

وما لبثت أن عدت للكتابة عنك، بعد أن غيبك الموت عني يا حبيبي الغائب، عدت بعد طول انقطاع ومازلت أزداد اشتياقًا إليك؛ فعندما أكتب لك، أعود كطفلة صغيرة تشعر بيتمها؛ فأشتاق للبكاء بين يديك، وأحس بحاجتي للكلام معك؛ فأنزوي في قوقعتي لأبوح بما في أعماقي وأحدثك.. عدت وتفكيري بك لم يغب ولو للحظات، وحنيني لك لم يخبُ، أهمس لك كما كنت أفعل وأنا أعبث في شعرك وأخبرك بأنك وحشتني كثيرًا، وحشتني ابتسامتك وحوارك وجلستك، وحشني خوفك علي وحنانك واهتمامك، وحشتني عيناك وملامحك وصوتك وحركاتك، وكلما مرت السنون كلما يزداد احتياجي لوجودك معي، احتجتك بالأمس، وأحتاجك اليوم أكثر من أي وقت مضى، أحتاجك لتدعمني وتدفعني وترفع معنوياتي وتخفف هزائمي

وتمر الأحداث تلو الأحداث دون وجودك، ونجتمع ولا ينقصنا سوى جسدك، أما روحك فمعنا؛ فنحن لا نكف عن الحديث عنك، وتعيش في ذاكرتنا كل السنوات السعيدة التي قضيناها معًا؛ فحقيبة ذكرياتي تمتلئ بالمحبة والسعادة والرضا والتكاتف والتعاطف، مشاعر جميلة زرعتها فينا من أعماق قلبك المحب والمتسامح

أعرف أنك رحلت كما رحل كثيرون غيرك؛ فهي سنة الحياة، كل شيء إلى زوال، ولكن برحيلك انطفأت شمعة كانت تنير دروبي.. وتزيل همومي.. وتحقق أحلامي، وبرحيلك رحل السند والمرفأ والمرسى، وبرحيلك حرمت من أجمل لفظ ينطقه لسان

ورغم غيابك الطويل، إلا أني أشعر بك في كل نجاح وفشل، وأراك في كل موقع أو مكان، وأكلمك عن كل ما يجول في خاطري، وأشكو لك عن الكثير والكثير، وأخبرك عن آخر أحوالنا وما حدث فيها.. وأخبرك بأننا ولله الحمد، مازلنا كما كنت تتمنى، بارين بأمنا، حفظها الله لنا، وبأننا لازلنا نسير على نهجك وخطاك؛ فنحن، بفضل الله، متماسكون متحابون متعاونون ومتعاطفون في إخوتنا كما كنا نراك مع إخوتك دائمًا

وفجأة عندما أتنبه لعدم وجودك، لحظتها أحس أني في تحدٍ ومواجهة حادة مع بدايات جديدة، نعم يا غالي فقدناك، ولكن لم نفتقدك.. فقد رحل جسدك ولم ترحل ذكراك.. فقلبي يبكيك، وجوارحي تناديك، لقد عشت حياتك معنا حبيبًا فأحببناك.. وبطيبة قلبك عهدناك، وبحب الجميع ألفناك.. وإني لا أزكيك على الله، ولكني أشهد بأنك كنت نعم الأب، بحبك وعطفك وحنانك وبأخلاقك؛ ففارقت عيوننا ولم تغادر قلوبنا... 

نعم رحلت، إنه قضاء الله ولا مفر من قضائه، ولكنه رحيل على أمل اللقاء في الآخرة بإذن الله؛ فيا رحيم، ارحم فَقيـد قلبي، وبشره بمـا لا عيـنٌ رأت ولا أذنٌ سمِعـت، ومـا لم يخطُـر على قلـب بشر

نعم جميعنا يشتاق لكل من رحلوا عن حياتنا، وجميعنا نتمنى أن ترجع بنا السنون إلى تلك الأيام.. ولكن «كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ»؛ فيا رب ارحم أمواتنا وموتى المسلمين، واربط على قلوبنا، واجبر كسرنا على فراقهم، واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين، برحمتك وكرمك وفضلك يا أرحم الراحمين..