قانون التوازن

أميمة عبد العزيز زاهد
خلق الله لكل نفس معالمها، وحدد سبحانه إمكاناتها ومواهبها وطبيعتها الخاصة التي تتناسب مع قدراتها وطاقاتها، وتتناسب حتى مع حجم البلاء الذي استهدفها. فالإنسان ليس روحاً وحسب، بل هو تفاعل بين المادة والروح. ولذلك تنشأ في النفس صراعات بين الخير والشر، ودائماً يخالجنا شعور بهذا الصراع، ولمن نستجيب، ولمن نميل للروح أم للمادة أم لكليهما؟ فكل عنصر من عناصر التكوين البشري له نوازع وشهوات، وله قوة عجيبة للسيطرة والتأثير، لذلك نشعر بجهد وتعب؛ لأن ذلك متعلق بإرادتنا الذاتية، فالابتلاء ليس فقط في المصائب، كما نعتقد ولكن قد يبتلى الإنسان بالمنح وليس فقط بالمحن، فالدنيا دار تكليف وليست دار النعيم، دار ممر وليست دار مقر، وقد يغفل البعض عن تلك الحقيقة! إذا أقبلت عليه المصائب يفزع ويسخط على قدر الله؛ لأنه لم يتحصن بالإيمان، وهناك من يُبتلى بالحرمان من نعمة الصحة، أو الأبناء أو الجمال أو المنصب، أو أي متعة من متع الحياة، وهناك من ينعم بتلك النعم، ويعيش لذتها ويُبتلى بها، ومنهم من يندفع؛ لينهل من عطاياها دون شبع كيفما شاء، وهدفه الأول فقط الاستمتاع، وكأن الدنيا هي مكانه المخلد فيه ولا حياة بعدها، لا يدرك شكر النعم، ولا يشغله سوى الحفاظ على عدم زوالها، وقد يشح البعض من الإنفاق على غيره، وحتى على نفسه من كثرة حرصه، لم يفكر بأن الله قد وضع بين يديه تصريف وتسهيل شؤون غيره، كما وأن هناك بلاء عقوبة وبلاء رحمة، وقد يصاب إنسان ويكون بلاؤه إنذاراً، ويتوب وقد يكون تمحيصاً للصابر القوي، وهناك من يصمد ويحتسب الأجر ويخرج من المحنة أقوى إيماناً، وأهدأ نفساً وأحسن عافية، وهناك من ليس لديه قوة على التماسك، ولا يقتنع بحكمة الصبر أو فوائد الشكر، فنراه ساخطاً متشائماً متذمراً. إن الفقر والغنى والمرض والصحة والقوة والضعف كلها ابتلاءات. والأجر لمن يصبر ويحتسب. وليس شرطاً أن يكون المرض عقوبة فقد يكون امتحاناً وابتلاءً. فرحمة الله ليست قاصرة على ما وهب وأعطى، بل تمتد إلى ما حرم ومنع، فما حرم شيئاً وما منع رزقاً أو مالاً أو صحة إلا رأفة بعباده، فرحمة الله يجدها من يفتحها الله له في كل مكان، وفي كل شيء، وفي كل حال يجدها في نفسه، وفيما حوله حتى لو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده حرماناً، فما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون في حد ذاتها نعمة. إنه قانون التوازن الرباني الذي نجهل حكمته. وكما أن هناك قلوباً قاسية هناك قلوب حانية، فالحياة تكاليف واختبارات مشقة وجهاد، وفي الآخرة ننال التكريم والشرف، وما علينا إلا أن نصحح علاقتنا بالله عز وجل؛ حتى نتمكن من تفسير واقعنا على نحو ترتضيه عقولنا، وتطمئن إليه نفوسنا، وتقر به أعيننا.