مكاشفة العام الجديد

محمد فهد الحارثي

ص عاش حياته بخياراته. لم تكن دائماً وتماماً، كما يريد. لكنه اجتهد في أن يسير حسب قناعاته. لم يحقق كل ما يطمح إليه لكنه لم يستسلم. في مسيرته اعتبر الانكسارات جزءاً من رحلة الطريق، والتحولات مرحلة من صيرورة الأشياء. لم يتوقف عند محطة معينة. بل اعتبر كل محطة بداية لمشروع جديد. تصالح مع نفسه قدر الإمكان واستند إلى مخزون اسمه القناعة ورصيده الإيمان.

لم يكن هدفه تحقيق المكاسب، بل العيش حسب قناعاته ومبادئه. لم تستهويه أبداً لعبة المظاهر والشكليات. آمن أن ما يستحقه سيأتي إليه حتى ولو بعد حين. وأن مالم يكن مكتوباً فلن يأتيه أبداً. هي ليست سلبية بقدر ماهي نظرة مرنة للحياة. الطموح يمنحك طاقة للاستمرارية، لكنه الطموح المستند إلى قيم تحميه وأخلاق تكبح جموحه. نظرية الغاية تبرر الوسيلة يراها فلسفة انتهازية تتغاضى عن الكذب من أجل الوصول. وتحلل السرقة لتحقيق الثراء.

هولاء الذين يقودهم طموحهم ورغباتهم بغض النظر عن أي شيء آخر هم بائسون وخاسرون. هولاء يحققون نقاط ويرفعون رصيدهم، لكنهم من الداخل خاوون وفارغون. يدركون بعد مشاوير طويلة أنهم ركضوا في المسار الخطأ، فلا المواصلة تجدي ولا العودة تمحو الجروح.

لم يستطع أن يكون ضمن الشروط المسبقة والمشي مع القطيع. يتفنون في إظهار عكس ما يبطنون، ويتلونون حسب تغير المصالح والمنافع. ولا يشعرون بالحرج من الانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. يبدلون مواقفهم ويغيرون مبادئهم كما يغيرون ملابسهم. ويتظاهرون بكل شكل ممكن عدا أنفسهم، لأنهم غير واثقين من حقيقة أنفسهم وجوهر معادنهم.

تشعر للحظة بأن المعادلة خاطئة وبأن الزيف يسود بينما الصدق يخبو بريقه في زحمة التنافس المغشوش. وتستغرب كيف تغيرت تراتبية الأشياء ومنطقها. كيف ما بعد الفاصلة أصبح على اليسار، والأرقام الصحيحة ذهبت طيّ النسيان. وليكن. فلا يصح إلا الصحيح. فالثبات على المبدأ ما هو يصنع الفرق بين الأشخاص. المبادىء التي تتشكل حسب المواقف، ليست مبادىء بل وهم نصنعه لنرضي ضميرنا. بينما مقاومة المتغيرات والإغراءات هي التي تكشف معدن الأنقياء.

يكمل مشواره بالقناعات والمسار والطريق نفسها. يمنحه التفاؤل نظرة للغد أجمل ومهما تلبدت اللحظة بغيوم عابرة، فرياح التفاؤل تبدد كل الغيوم. ولديَه قناعة أن الحياة تمنح جائزتها في نهاية المطاف لمن يستحق.

اليوم الثامن:

في نهاية كل سنة يحسبون الأرباح والخسائر

أرقام ربما مهمة لكن الأهم هو أن تربح نفسك.

@mfalharthi