هواية أكل لحوم الناس

مبارك الشعلان
إذا لم يبق لي ما أقرؤه، فسيبقى لدي دائماً ما أقرؤه، وجوه الناس. فإحدى هواياتي القديمة الجديدة قراءة وجوه الناس، قراءة عيونهم، تفاصيلهم الصغيرة والكبيرة في هذه الحياة؛ فعيون الناس مثل الصحف، فهي تصدر كل صباح بطبعة جديدة، وبنظرة جديدة. ولكن أين القراء الذين يقرؤون عيون الناس، كما يقرؤون صحف الصباح؟! وهناك وجوه مثل وجوه الصحف، فهي بأكثر من وجه: وجه يحث على الفضيلة، ووجه يمارس الرذيلة، أو في أفضل الأحوال يحض عليها. فللفضائل وجوهها وصحفها وصفحاتها، وللرذائل وجوهها وقراؤها. وجوه الناس هي صحفهم وصحائفهم. فالناس أمام بعضهم «وديعين وجميلين» يفيضون وداعة وجمالاً. وما إن يعطوا ظهورهم لبعضهم؛ حتى تبدأ مرحلة نشر الغسيل. وكل يوم هناك «طبعة جديدة لهذا النشر». فالكل ينشر غسيله أو «طبعته» لا فرق طالما أن حرية «النشر مكفولة». فهم يمارسون هواياتهم كل يوم، وخاصة في أوقات الفراغ. والمشكلة أن الناس لديهم الكثير من وقت الفراغ؛ لذلك فهم يمارسون هواياتهم بكثرة، وإحدى أكثر الهوايات ممارسة، هي هواية عض الأصابع. ومن يصرخ أولاً؟ .. وكل الناس لديهم هواية.. وكل الناس لديهم وقت فراغ.. وكل الناس يعضون أصابع بعضهم.. وكل الناس لا يريدون أن يصرخوا أولاً؛ لذلك يتجاوزون في هوايتهم هذه؛ لتصل إلى مرحلة الاحتراف في العض، إلى أن تصل إلى مرحلة السيرك الروماني القديم، ولعبة الأسود، عندما لم يكن للناس هواية ووسيلة ترفيه، سوى هواية رمي أحدهم في حفرة، وإطلاق الأسود عليه ليستمتع الحضور. فالناس هذه الأيام يأكل بعضهم بعضاً؛ ليستمتع ببعضهم. الفرق أن الناس في العهد الروماني كانوا متحضرين بما يكفي؛ ليستمتعوا بشراسة الحيوانات. اليوم متحضرون جداً، وبما يكفي لأن يستمتعوا بشراسة الإنسان ضد أخيه الإنسان. شعلانيات: | من أجمل أنواع «الرجيم» هو التوقف عن أكل لحوم الناس. | حتـى لا تؤلمك الحقيقة يوماً: لا تضع لنفسك منزلة عالية في قلوبهم، ولا تتوقع منهم تضحية لأجلك. | اخفض سقف توقعاتك بالجميع؛ كي لا تصدم. | من الناس من إذا أحب شخصاً، تغاضى عن جميع سيئاته. | ومنهم من إذا أبغض شخصاً، تغاضى عن جميع حسناته