التقدم والتطور طال أموراً كثيرة في حياتنا، ومع الأسف لامس هذا التغير تدهوراً وتهوراً في العلاقات، وزرع مفاهيم خاطئة، واستخفافاً بالسلوكيات ولامبالاة في التعامل، هي فئة من البشر، تعتبر الأخلاق عملة مزيفة ووجهاً آخر للخداع، فتتلاعب بالمشاعر والأحاسيس، لا تفرق بين الحب والنزوة، ولا بين الصدق والكذب، أو بين الإخلاص والخيانة، فمشاعرها تجاه الآخرين قد لا تتعدى ساعات، أو أياماً، أو أشهراً لا فرق، فالنهاية المنتظرة يعرفها كل من يستخدم قوته التي يمتلكها، وبإتقان المتمرس يقوم بنشب أظفاره، والعزف على الوتر، ويظن أن كل الأوتار تتشابه.
ألهذا الحد يصل الاستهتار؟ وتُستقبل الطيبة بالمكر؟ ويشبع الفضول حسب الفصول؟ فلكل موسم وقته الخاص به، ينتهي بانتهاء الفصل والدخول في الآخر بمنتهى السهولة.
هل أتحسر على ما مضى؟ وأبكي على الأطلال؟ أم على الأحلام؟ أم على الواقع؟ أم أبكي على أخلاقيات بدأت تتآكل بفعل عوامل متعددة؟ إن الحياة مستمرة، ولن تنتهي إلا بموتنا، فلماذا نعيش بقلب مجروح وإحساس متبلد؟ لماذا تغيرت القلوب وتبدلت الوجوه؟ ماذا حدث حتى يُذل الكريم ويُعز اللئيم؟ ماذا حدث للعقول حتى تحب المنافق وتكره المخلص؟ تثق بالخائن وتخون الأمين؟ تعشق الظاهر وتغفل الباطن؟ تصدق الكاذب وتتصدى للصادق؟ تتقرب بمن لها مصلحة معهم وتتجاهل من له حاجة لديها؟ لقد تعاملت مع مختلف الفئات والطبقات والمستويات، ولم أجد أسوأ من النفاق، وشاهدت مختلف الوجوه، فكان منها من يتقن لبس الأقنعة المزيفة، وما وجدت أسوأ من خيانة الأصدقاء، وظلم الأحباء والأقرباء، وما ذقت أمرّ من الأضرار والأذية، التي يكنها البعض بسبب الغيرة والحسد والحقد.
لماذا نجد في طريقنا من يرفعنا إلى الأعلى وبعدها يهوى بنا إلى القاع؟ ولماذا كنا نسمع أصواتاً، ليلاً ونهاراً، تأبى أن تفارقنا وفجأة اختفت من حياتنا؟ ولماذا ندفع الثمن غالياً لأخطاء ارتكبناها من دون قصد أو حتى ارتكبها غيرنا في حقنا؟.
لقد حاولت ودربت جوارحي وكياني على ما هو كائن، وها هي الحياة تسير بين شقاء وسعادة، بين الأمل والألم، والنجاح والفشل، تتذبذب بين هبوط وصعود، ومد وجزر، وشروق وغروب؛ لذا لن أقول بعد الآن: عودي يا أيامي الضائعة من جديد؛ لأنها لن تعود، ولن أقول: عودي يا سعادتي ويا أحلامي، التي كنت أخطط لها، لا لن أقول: عودي يا آمالي، فلن تستطيع العودة أيٌّ من مشاعري، وأحاسيسي وعواطفي، وأحلامي وأمنياتي، ولن تعود ضحكتي ولا بسمتي وتفاؤلي، ولن أعود أنا كما كنت، بعد أن بات الأمان والإخلاص، والصدق والوفاء، والعدل والرحمة، وحسن الظن مجرد معانٍ، الحصول عليها من رابع المستحيلات، وأصبحت لا أطمع أن يعود الماضي، ولكن كل ما أتمناه أن أشعر براحة البال، فلست طامعة بأكثر من ذلك، فكل منا في هذه الحياة لن يأخذ إلا نصيبه، وأنا أخذت نصيبي، واستسلمت له، وأطلب من الله سبحانه أن يمنحني الرضا