لماذا يموت الحبُّ بعد الزواج؟

أميمة عبد العزيز زاهد
سؤال يتردَّد مئات المرَّات، لماذا يموت الحبُّ بعد الزواج؟ ونسمع له آلاف الأجوبة، وما زلنا نبحث، وما زالت المشكلة قائمة حول قضيَّة مقتل المشاعر والأحاسيس بعد الزواج. معظم الناس يسمي الحبَّ قبل الزواج بالحبِّ الوهمي؛ لأنَّه في الغالب لا يستند إلى مبادئ، ولا سلوكيات الحبِّ الحقيقي، فهو حبٌّ مستمد من القصص والروايات والأحلام، يجعل الإنسان يرى فيمن يحب صورة للرجل المثالي أو المرأة المثاليَّة، التي لا وجود لهما في عالم الواقع، فيبذل كل طرف قصارى جهده لإضفاء السعادة على من يحب، فيمنحه العاطفة والاهتمام والتركيز والمشاركة، ويظن نفسه من غير طينة البشر، ويقسم بأنَّ حياته الزوجيَّة ستصبح أسطورة على كل لسان، فالمحبُّ يرى حياته بإحساس العاشق المغرم، ويسيطر عليه وهم الحبِّ، ويتخيل نفسه بأنَّه لن يستطيع الحياة من دون قلب ودرب الحبيب، ولا يرى أو يسمع في الوجود إلا كل ما هو جذَّاب وحالم ورقيق، ولا يريد أن يعيش بالمنطق؛ لأنَّه يعيش في دنيا أخرى، كلها أحلام وآمال يعيشها بمشاعر ملتهبة وأحاسيس ساخنة، وبهذا الحبِّ ستفتح أمامه كل الأبواب المغلقة، وستحل كل المشاكل التي سيواجهها، فهو ينظر للزواج على أنَّه الغاية وليس الوسيلة، فالزواج بهذه الصورة قائم على الانبهار بجمال، والانجذاب بمشاعر مرهفة، واندفاع تقوده الرغبة، فمحرك الحبِّ من خارج الإنسان، وليس من داخله، وتأتي الصدمة بعد الزواج، حين يظن كل طرف أنَّه قد حصل على ضمان معتمد للسعادة، وما هي إلا أشهر حتى تنطفئ جذوة الحبِّ، ويأخذ منحنى آخر، نتيجة واقع الحياة، وتتراجع العاطفة؛ لتحل محلها العادة، فيحس بأنَّ مشاعر الحبِّ ليست سوى أوهام عاش فيها بسبب بُعد الحبيب، وعندما أصبح أمامه وبين يديه تلاشت اللهفة والشوق، وبات كل من الزوجين يرى الآخر يومياً، ويعرف عن الآخر كل شيء، وبالتالي اختفى الغموض، الذي كان يحيط بعلاقتهما، ويمنحها نبضها، وتبدأ بعدها عمليَّة الاكتشاف الحقيقي لشخصيَّة الآخر وميوله وعاداته الشخصيَّة، وقد يفقد كل طرف الرغبة في إرضاء الآخر، ويرى أنَّ اهتماماته مجرد أمور خاصة به، يحدث بعدها الانفصال النفسي، ويموت الحبُّ. وسواء كان الزواج تقليدياً، أو بعد علاقة حبٍّ، على الإنسان أن يحسن اختيار شريك حياته، ومن يتلاقى معه فكرياً، وينسجم معه نفسياً؛ لأنَّه من الصعب الكشف عن الجوهر من دون عشرة، فالمشكلة ليست في الحبِّ وحده لأنَّ كثيراً من البيوت السعيدة، لم تبنَ على الحبِّ، ورغم ذلك استمرت إلى النهاية، فمن السهل أن يتولد الحبُّ من الاحترام والتقدير والثِّقة والأمان، لكن من الصعب أن يستمر الحبُّ بالكذب واللامبالاة والإهمال والأنانية.. فالحبُّ ليس مجرد كلمات تتلاشى مع الواقع، أو مجرد إحساس فقط من دون معايشته. إن من يحبّ تحكمه أفعاله وتصرفاته وليست أقواله، فالكلام سهل، لكن ما أصعب العمل به، فقيمة الحبِّ تكمن في المحافظة عليه، وبالتفاهم والتضحية والعطاء يكون عشُّ الزوجيَّة دار استقرار وسعادة