معاناتي مع ورقة

أميمة عبد العزيز زاهد
قالت: اسمحي لي أن أخبرك عن مأساتي. أنا فتاة لم أبلغ العشرين من عمري، نشأت في قريتنا مع أمي التي كان كلُّ همِّها ألا تغضب أبي بعد أن طلقها، اشترط عليها ألا تشتكي أو تتذمر؛ حتى لا يحرمها من مصروف نهاية الشهر الذي بالكاد يكفينا. أبي الذي لا أراه إلا نادراً أب قاسٍ وأناني وبخيل ومتسلِّط لم يلتفت يوماً لمعاناتي ولم تهزه أنَّاتي، وليس هناك من أشتكي له؛ فقد كان أبي وحيد أبويه، وقد توفيا منذ كنت طفلة ومع الأسف حرمني من أبسط حقوقي بسبب انشغاله بعالمه الخاص، فكان يقضي وقته مع زوجته الثانية وأبنائه منها، وكنت أنا على هامش حياته وآخر اهتماماته، وبفضل من الله لم أترك نفسي للظروف تعبث بي، ورضيت بما كتبه سبحانه لي، فتعلمت الكتابة والقراءة في المنزل وتمسَّكت بالقناعة التي تعلمتها من والدتي -يحفظها الله- هذه الأم الصابرة القانعة الحنونة المعطاءة بصمت، المطيعة التي رضيت بإضاعة حقوقها منذ البداية وبالتالي أضاعت حقوقي معها. ولأدخل في صلب معاناتي، أتصدقين أنَّني حتى الآن لم أستطع الالتحاق بالمدرسة بسبب إهمال أبي في تسجيلي في الأوراق الرسميَّة، رغم المحاولات العديدة من أمي ومني، لكنَّها كلها باءت بالفشل، وعشت سنوات تحملت فيها ظلم أقرب الناس لي، أبي الذي بفضله جعل مني إنسانة تعيش بلا هدف ولطالما حلمت أن أعيش حياة طبيعيَّة كأي فتاة في عمري وفجأة تبدل حالي، وظننت أنَّ الدنيا أخيراً ابتسمت لي بعد أن تقدم لخطبتي أحد أقربائي لأمي، وعندما علم بقضيتي أصرَّ أن ينتظر حتى يتم الانتهاء من إثبات هويتي، بعدها أحببت الحياة، وأصبحت أرى الدنيا جميلة، بعد أن وعدني بأنَّه لن يتخلى عني، وكم من المرَّات أسعد فيها قلبي الحزين بكلماته، وعباراته، وهداياه، فقد كان كريماً في خلقه، كبيراً بعقله، حنوناً بقلبه، وعاهدني بأن نخطط مستقبلنا معاً، وسيعوضني عن كل ما فاتني وقد فاتني الكثير، وتعلق قلبي وعقلي به بعد أن رأيت الضوء الذي سينير لي حياتي، لكن أوراقي لم تنته فأبي ليس لديه وقت يهدره رغم أنَّ قريبي ذهب إليه، وأخبره بموافقته على أي شرط يطلبه، فقط عليه الإسراع في استخراج أوراقي الرسميَّة؛ ليتم زواجي ولأتمكن من السفر معه إلى الخارج؛ حتى يستكمل دراسته. وهكذا سيدتي أصبحت حياتي معلقة بورقة، وسعادتي مرهونة بورقة، ومستقبلي متوقفاً على ورقة، مجرد ورقة، كانت ستحيي الأمل في نفسي، وتغيِّر نظرتي للحياة، ورقة كانت ستحقق رغبتي في التعليم، وتحقق حلم أمومتي، ورغم ذلك تهرب أبي من الانتهاء منها وكان يتعلل مرَّة بعمله، ومرَّة بسفره، وتارة بمرض زوجته أو أحد أبنائه وما أكثر الأعذار التي بررها للمماطلة، وبعد أن بذل قريبي كل جهده وأضاع وقته من هنا وهناك حان موعد سفره، وقرر اختصار الطريق ورحل ليكمل مشوار حياته من دوني وماتت أحلامي وأمنياتي ومشاعري قبل أن تولد ورغم كل ما حدث فما زلت أنتظر فرجاً قريباً من الله.