2 صور

أثبتت الدراسات التي أجراها د. رسيل في المركز الوطني لأبحاث الأطفال عام 1994 على مجموعة من الأطفال الذين تعرضوا لنوع من أنواع الاغتصاب والتحرش الجنسي، أن معظم هؤلاء الأطفال لم يشكوا لآبائهم وإنما تم اكتشاف هذه المشكلة بطريقة أخرى مثل التعرف على علامات الخوف لدى الطفل أو من قبل بعض المعلمين بملاحظة التغير والتدهور في التحصيل الدراسي لدى الطفل، ما استدعى التقصي عن الأسباب وبعد التعرف على المعتدي وجد د. رسيل أن أكثر المعتدين يكونون معروفين لدى الطفل وعادة ما تكون الفئة العمرية للمعتدي بين 17-24 عاماً وتكون الفئة العمرية للأطفال الضحايا بين 13- 16 عاماً وهنا يجب التوضيح بأن معظم الحالات تظهر علامات لاضطرابات نفسية أشهرها اضطرابات ما بعد الصدمة والتي تستوجب العلاج النفسي المتخصص.

الحالة:
الرسالة التالية أرسلتها أم عمران تقول: إنها تعيش في أحد بلاد المهجر في أوروبا منذ أكثر من 11 عاماً، ولديها ولدان أصغرهما 13 عاماً، والآخر 16 عاماً، وهي تعمل معظم الوقت، ولكنها تلقت خطاباً من المدرسة يطلب حضورها لأمر عاجل، وأخبروها بأن ابنها البالغ من العمر 13 عاماً بدأ يتحرش ببعض الأطفال في المدرسة، ما استدعى أن تكون الأم موجودة مع الطفل أثناء العرض على الأخصائية الاجتماعية في المدرسة، والتي أخبرت الأم بالحقيقة الصادمة وهي أن ابنها يتعرض وبصورة منتظمة للتحرش من قبل أحد الأشخاص المقيمين قريباً منهم في الحي، وأنه يجب عرض الموضوع على الجهات المختصة، وهنا تقول إنها شعرت بالخوف الشديد على ما سيحدث مع ابنها خاصة عندما يكبر، وهل سيتحول إلى وحش كما يقول بعض المعلمين عنه في المدرسة، وهل سيترك ذلك أي أثر على حياته الجنسية المستقبلية؟ وهل يجب عليها أن تعود لبلدها الأصلي، وهل يمكن علاج هذه الحالة عند ابنها، خاصة وأنه بدأ يتأخر دراسياً، ويعاني من الخوف الشديد إلى درجة البكاء والصراخ كلما تركته للذهاب إلى عملها، خاصة بعد أن تم إيقافه عن الذهاب إلى المدرسة، وتقول أرجوكم أن تساعدوني؛ فأنا في حالة صعبة، والتفكير أصبح عندي متوقفاً، ولا أعرف ما سيحدث لابني، وخاصة أنني لا زلت أنتظر نتائج تحليل الإيدز والتي أصررت أن تتم له. هل أخطأت كما يقول زملائي؟ وهل فعلاً أنا أعطي الموضوع أكبر من حجمه، أم أن المصيبة فعلاً كبيرة؟ أرجوكم أنقذوني.

الإجابة: سيدتي الفاضلة، أولاً يجب أن نوضح بعض الحقائق بعيداً عن التقليل من شأن الموضوع أو من تضخيمه أكثر مما يجب وإليك هذه الحقائق:
أولاً: ابنك تعرض للتحرش الجنسي، واحتمال الاغتصاب أيضاً، وهو أمر يحدث لدى عدد من الأطفال، وقد تتجاوز نسبة حدوثه حوالي 34% في بعض المجتمعات، ونجد أن معظم الحالات لا يتم التبليغ عنها، ويتم اكتشافها إما من قبل المعلمين في المدرسة، أو من خلال ملاحظة التغيرات على سلوك الطفل كأن يقوم هو بالتحرش بالأطفال الآخرين، وهنا أحب أن أطمئنك بأن هناك حالات عديدة مثل حالة ابنك، ونجد في بعض المجتمعات الغربية أن بعض الآباء والأمهات لأطفال ضحايا يقومون بعمل فريق للتواصل مع الحالات الأخرى؛ لتقديم الدعم لهم.

ثانياً: يجب استشارة مختص قانوني في حالة ابنك والعمل على أن يكون مشخصاً كضحية للاغتصاب والتحرش، والعمل على عرضه على الطبيب النفسي المختص للأطفال؛ لتلقي العلاج النفسي اللازم، خاصة وأن لديه علامات خوف مرضي تستوجب العلاج الفوري من قبل المختصين في هذا المجال.

ثالثاً: يجب إعادته للدراسة، وعدم إيقافه عن الذهاب لمدرسته، ويكون تحت الإشراف من قبل أخصائية المدرسة، وتعديل العلاقة بينه وبين الأطفال الآخرين، وسوف يتحسن بالتأكيد من خلال جلسات العلاج النفسي المختص.

رابعاً: قد يشعر بعض الآباء والأمهات بالذنب بصورة مبالغ فيها ومرضية في كثير من الحالات، ويبدأون في تغيير نمط الرعاية المقدمة للطفل نتيجة هذا الشعور؛ مما يجعل الطفل تحت ضغط نفسي سلبي أكثر مما يجب، لذلك نصيحتي لك هنا هي: عدم التسرع في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالعودة إلى وطنك الأم من عدمه، وأن يكون هذا القرار بناءً على المصلحة العامة لكل أفراد الأسرة وليس فقط كنوع من الهروب من الحالة التي تواجهينها، واعلمي أن التحرش الجنسي بالأطفال هو ظاهرة عالمية تحدث في كل المجتمعات للأسف.
خامساً: أما ما يتعلق بموضوع مدى تأثير هذه المشكلة على مستقبل العلاقة الجنسية لدى الطفل فتعتمد على عدة عوامل، من أهمها مدى شدة الأثر النفسي الناتج عن هذه الحالة على الطفل، وأيضاً على توفر طرق الرعاية النفسية والعلاج النفسي المتخصص للطفل، وإعادة تأهيله ليندمج في المجتمع، وأن يستطيع أن يمارس طفولته وحياته بصورة طبيعية بدلاً من معاقبته وحرمانه من الدراسة.
أثبتت الدراسات التي أجراها عدد من علماء النفس المختصين بالأطفال منهم د.نان شتاين أن الطفل الضحية يمر بعدة مراحل من الاضطرابات النفسية، والتي تشمل نوبات من العنف، العزلة، التأخر الدراسي، وفي بعض الحالات القيام بنفس الفعل مع الأطفال الآخرين، ثم وجد أن النسبة الكبرى منهم تتعرض لاضطراب ما بعد الصدمة.

أما الاضطرابات التي تنتج لدى الأطفال الضحايا، إذا لم يتم علاجهم فتتمثل في حدوث بعض الانحرافات مثل اضطراب السادية والماسوشية، وبعض الحالات قد يمتنع الشخص عن الزواج كلياً، وهنا يجب التأكيد مرة أخرى من ضرورة العلاج المتخصص في أسرع وقت ممكن.

سادساً: هناك أمر مهم يساعد الطفل على التعافي من الصدمة بصورة أفضل، وهو تحقيق العدالة بمعاقبة الجاني؛ مما يجعل الطفل أكثر ثقة في العالم المحيط به، ويصبح أقدر على تقديم النصح للآخرين سواء من الضحايا، أو من الأهالي المعنيين.

نصيحة
التحرش الجنسي بالأطفال يعد من أخطر الجرائم البشعة ضد الأطفال، والذي قد يحولهم إلى «فاعلين لنفس الجرم رغبة في الانتقام»، وهنا يجب أن يعامل الطفل ككيان له حقوقه الكاملة دون عقاب، فما يعمله الصغار هو مرآة لما يفعله الكبار.