ذكريات زملاء فوزية سلامة

10 صور

 

خلاص" الكلمة الأخيرة التي أطلقتها الكاتبة والإعلامية المصرية فوزية سلامة _رحمها الله_ عقب آخر جلسة لها في علاج مرض سرطان البنكرياس الملقَّب بـ"القاتل الصامت"، مع صورتها وهي من دون شعر.

كانت الرحلة قبل هذا الـ«خلاص» كما وصفتها في المقال نفسه الذي كتبته عقب آخر جلسة علاج لها بعنوان «خلاص.. خلاص.. خلاص»، «وارتدت بي الذاكرة إلى بداية المشوار، إلى تورم الساقين، واصطكاك الأسنان، والعزوف عن الطعام، وفقدان حاسة التذوق، واختفاء وميض العينين، واكتساب الوجه لوناً طينياً جعل من المرايا عدو الداء».


رحلتها الإعلامية كإعلامية، باحثة اجتماعية، صحافية وروائية، وإعلامية مملوءة بالنجاح وحافلة بهالة الحضور، كما وصفها زملاء وأصدقاء الدرب الذي سارت فيه الغائبة الحاضرة فوزية سلامة.
قد استقبل الوسط الإعلامي والصحافي كله نبأ وفاتها بحزن شديد، ولم يبح كثير من المقربين منها بالكثير عنها؛ بسبب هذا الحزن المفاجئ على وفاتها.
استمرت مسيرة فوزية سلامة في القاهرة في 15 يونيو 1953- 28 يوليو 2014، هي الإعلامية التي أطلت على المشاهدين من خلال برنامج «كلام نواعم»، وهي أيضاً الباحثة الاجتماعية التي حلَّت الكثير من مشاكل الفتيات والسيدات اللائي تواصلن معها عبر «سيدتي»، والصحافية التي لم ترتح طويلاً للعمل في قسم الترجمة في بداياتها.
من الفتيات المصريات الأوائل القليلات اللائي وجدن دعماً من أسرهن، خصوصاً الأب، حين سمح لها بالسفر وهي في سن الـ21 سنة إلى إنجلترا؛ لمواصلة مشوارها التعليمي هناك، بسبب دعم أبيها لها، إذ كان كما وصفته هي بالتقدمي في حوار أجري معها خلال برنامج «صباح الخير يا مصر»، وهي الروائية المصرية التي كان لها الهدف الإصلاحي من وراء الكتابة الاجتماعية، وروايتها الأشهر «الفراش الأبيض» لاقت صدى كبيراً.

 

كلمات ومواقف
يأسف الإعلامي السعودي عثمان العمير، أنه لم يلتقها في لندن قبل وفاتها، وقال «كون الإنسان يعيش بشكل حيوي ومتفائل وهو مريض بمرض خطير مثل السرطان، فهو قاهر له، فهو على الأقل يكون قد أنهى حياته بشكل متفائل ومتحد، ومع الأسف عشت كثيراً مع أصدقاء لي مروا بمثل هذه التجربة المؤلمة».
فيما يكشف الإعلامي عبدالله القبيع عن أنه كان يتصل بها يومياً منذ عادت إلى لندن مؤخراً، قبل 6 أشهر تقريباً، ويعلّق: «لم تشعر أحداً أبداً بأنها تعاني، وكان خبر وفاتها مؤلماً جداً».
الأديبة المصرية فاطمة ناعوت تستغرب لامرأة عندها هذا القدر من الرقة والقوة؛ فقد واجهت العالم برأس من دون شعر، تتابع: «هذه ظاهرة غريبة، ولم نر هذا في المجتمع العربي بشكل عام، بسبب خجل المرأة من سقوط الشعر، وكأنها عورة من العورات التي تحاول أن تخفيها».
فيما تلفت الإعلامية ميسون أبوبكر إلى ردود فوزية في مجلة «سيدتي»، تطل من خلال صفحتها كأم ومربية اجتماعية وناصحة صادقة، لم تتورع في أحيان كثيرة أن تصب جام غضبها حين تشعر بفتاة مظلومة مهضوم حقها، أو حين كانت تستوقفها قضايا اجتماعية طافحة بالغرابة والعجب، وكانت تتحدث بصراحة وحرص شديد على المجتمع، أمَّا عن علاقتها بزميلاتها في البرنامج، فتؤكد أبوبكر «كنت ألتقيها في عدد من الفعاليات والمؤتمرات، ولم تتح لي فرصة الاقتراب منها أكثر، كنت ألمس تلك الهالة التي تحيط بها وعدد المعجبين بها».
ويتذكر الإعلامي عمادالدين أديب قصته مع فوزية، رحمها الله، فقد عرفها في أوائل عام 1983، حينما دخل مبنى «سيدتي» بشارع جوف سكويير المتفرع من شارع مليت استريت الشهير بلندن، كان يوماً شتوياً قارساً من أيام لندن، يومها كان حريصاً على أن يلتزم بموعده معها. يتابع: «كان موعدنا الأول، موعد بين رئيس التحرير الجديد لمجلة سيدتي ونائبة رئيس تحرير المجلة».
«أهلا برئيس التحرير الجديد»، هكذا بادرتني في ابتسامة طفولية محببة، ثم عادت وقالت في تلقائية شديدة: «تشرب شاي؟».
وقبل أن أجيب عليها عادت وقالت: «أوعى تقول لأ؛ لأن أنا أحسن واحدة باعمل شاي مصري».
وهكذا دخلت فوزية سلامة حياتي، ودخلت قلبي كسيدة فاضلة، وأم حنونة لابنتها الرائعة عبلة، وشقيقة عزيزة، تبث الدفء والحب لكل من حولها بلا حساب، وبلا انتظار لأي مردود.
رحم الله فوزية، ورحم الجميع وسبحان من له الدوام.
تتذكر رانيا برغوث تلك المواقف التي انتهت بها بالبوح بأسرارها لفوزية، رحمها الله، تتابع: «كنت أبوح بأسراري، لكن.. وحضنتني وبكيت على كتفك مراراً. كنت تزيلين من قلبي مشاعر الغضب والفوران التي كنت أشعر بها، من نظرة واحدة أفهم منها ما تريدين قوله، وتفهمين مني ما أشعر به، واليوم وسيلة الاتصال بيننا ستكون الدعاء لك، إلى أن نلتقي لك مني قبلة على رأسك وعلى خدك وعلى يدك».
فيما لم يغب عن فرح بسيسو، التي شاركتها برنامج نواعم، مساعدة الراحلة وحبها واحتواؤها لها ولكل عائلتها.. ونصائحها التي أخذتها نهجاً في حياتها العائلية والعملية.

اللحظات المفضلة لمنى أبوسليمان مع فوزية سلامة، هي التي كانت نتناول معها الإفطار الفندق قبل الذهاب إلى الاستوديو. تتابع: "كنا انا، وفرح وهي. نتحدث عن حياتنا. خلال طلاقي، ولأنها عاشت حياة كالتي أعيشها، كأم عاملة في مجال الإعلام ومطلقة، كنت استمع عندما تتكلم عن ما عاشته، كانت تكشف عن أشياء عميقة، لا يقولها أحد عادة، وهو أمر ساعدني في التعامل مع طلاقي. لقد فهمت ما أمر به، وشاركتني ما عانته هي به ويعتبر أموراً خاصة، لم تبخل في سبيل الحفاظ على هيبتها، كما يفعل الكثيرون. عبر انفتاحها، تحققت من صحة تجربتي الخاصة. وقللت من شعوري بالوحدة، وسأبقى ممتنة وشاكرة إلى الأبد لتلك اللحظات. 
وكانت هناك لحظات تعليمية لفرح، العروس الجديدة حينها كوصفات الطعام أو الحصول على وصفات أطباق لبنانية جديدة من رانيا. كانت طاهية رائعة ، تحب الطهي ودعوة الناس للمشاركتها وجبات الطعام في لندن وكان لجمعاتها الفضل في جعل العديد من المغتربين يشعرون بأنهم أقل وحدة.