يقول المثل العربي: «النسيان أخو الإنسان»، تتغير العصور، وتختلف المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق الأشخاص، ومع التقدم العلمي ظهر الزهايمر وانتشر ليصل إلى فئة الشباب، من شابة تنسى طفلها بالسيارة، وأخرى تركته في السوق، وثالثة ذهبت للبقالة دون عباءة.
«سيدتي» حاورت الشباب والفتيات حول مواقف النسيان التي تعرضوا لها وأسبابها في التحقيق الآتي:
الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها الفرد اليوم، هي السبب الأبرز لكثرة النسيان؛ وهذا التخزين المكثف للمعلومات، لن يترك حال الذاكرة على ما هي، برأي الكاتب البدر الحربي، ويذكر أنَّه عندما كان مديراً لمجمع تعليمي ومسؤولاً عن أوراق الاختبارات، وحينما فرغ من عمله نسي وأبقى نظارته الشمسية على وجهه، فظلّ يبحث عنها في كل قسم من أقسام المجمع ويسأل كل من يقابله عنها.
وذات يوم قام عبدالرحمن، طالب، بإجراء تغييرات لكثير من أدوات سيارته؛ حيث ذهب إلى الفحص وانتظر الطابور الطويل لساعات طويلة، وحين دخل إلى مكتب الإدارة، تذكر أنه نسي الاستمارة في البيت، وذهب اليوم وبقي هذا الموقف في باله، يستدرك قائلاً: «حدثتني أمي ذات ليلة أنَّ إحداهنَّ نسيت فستان زفافها في بيت أهلها وهو يبعد عن القاعة بنصف ساعة زمنية؛ فذهبت إلى المشغل النسائي وأتت إلى القاعة ولم تتذكر شيئاً حتى قابلتها والدتها وسألتها عن فستانها؛ فاضطر أحد إخوانها أن يحضره لها وتتأخر زفة العروس».
ربما يكون السبب الأكبر لانتشار هذا النسيان، كما يعتقد البعض، هو كسل العقل، وانتشار العادات اليوميَّة السيئة، فقد اعتاد صديق رجل الأعمال، وليد الناظر، على ارتياد المسجد مشياً، لكنه ذات يوم ذهب بسيارته ونسيها ثم عاد إلى منزله وأخذ بالبحث عنها في مواقف المنزل فلم يجدها وأبلغ الشرطة؛ فوجدتها عند المسجد ثم تذكر حينذاك؛ فاعتذر لفريق الشرطة وقبلوا عذره؛ لورود كثير من البلاغات المشابهة.
حريق
تطرق الدكتور حامد الغامدي، استشاري الصحة والعلاج النفسي بمستشفى الصحة النفسية بالطائف، إلى أسباب أخرى للنسيان، وهي ضغوط مرحلة المراهقة، وتغييرات المرحلة تقود إلى اضطرابات فسيولوجيَّة تجعل الذاكرة عرضةً للنسيان، وهناك سبب آخر، هو تصلب الشرايين، أو وجود خلل كيميائي بالدم، أو اختلال وظائف الكبد أو الكلى، أو اضطرابات الغدد الصماء ونقص فيتامين «ب».
في الإمارات: اعتذارات بهدايا فخمة
وصل الأمر بالشخص إلى أن يبادله الآخر بالتحية بحرارة، ليتساءل مَن هو؟ ومن أين يعرفني؟ أين التقينا من قبل؟ أما البحث عن شيء هو أصلاً في الجيب فحدث ولا حرج، والأصعب هو من ينسى أسماء بناته! ورغم صعوبة كل هذه المواقف، إلا أن هاني عبدالله محمد، موظف في إحدى الجهات الحكومية، لا يجد أسوأ من أن يصل المرء إلى المطار ليكتشف بأنه نسي جواز سفرهز
كلفة زائدة
قد يتسبب نسيان الذكرى الأولى للزواج بشرخ لا يعاد ترميمه بسهولة، وهو ما حصل مع خالد محمد أحمد، مندوب علاقات عامة، حين فاجأته زوجته بهدية فخمة بعد أن أعدت له حفلاً يليق بالمناسبة؛ كونها الذكرى الأولى التي جمعت قصة حبهما الرومانسية تحت سقف واحد.
خالد الذي لم يستطع أن يخفي خجله، يقول: «في البداية تصورت أنه حفل أعدته زوجتي على شرف أحد أفراد العائلة، إلا أنهم جميعا أخذوا يهنئونني بعبارة (كل عام وأنتم بخير)؛ بل ويقدمون لي الهدايا، حينها تداركت الأمر وتذكرت أنه ذكرى زواجنا الأول، إلا أن محاولاتي للتظاهر بعدم النسيان، وأنني كنت أنوي أن أعد لها مفاجأة من خلال قيامنا برحلة جميلة نهاية الأسبوع، باءت بالفشل وغضبت زوجتي وبكت كثيراً، وتطلب الأمر إرضاءها بهدية قيمة ورحلة إلى بلد أوربي كلفتني أموالاً طائلة، أكثر مما كنت سأنفقه ثمناً لهدية في حال تذكرت الموعد».
في الكويت.. وصل إلى حد تطليق الزوجات
في دراسة رسمية صادرة من وزارة الصحة الكويتية أن المصابين بهذا المرض لمن تجاوزوا الستين عاماً، بلغوا 65 ألف شخص، وتوقعات بزيادة الحالات إلى 3 أضعاف خلال عام 2050، وبرأي الاختصاصيين في الوزارة أن الزهايمر لاتؤثر به الوراثة سوى بــ5%.
فيما تكشف المحامية، الجوهرة عبدالرضا، أن الزهايمر والنسيان من أحد أسباب الطلاق في الكويت؛ إذ إن كثيراً من الأزواج يقومون بتطليق زوجاتهم بحجة نسيان تجهيز الوجبات الغذائية، أو الاهتمام بهم والانشغال بأمور أخرى كرعاية الأطفال أو الجلوس مع صديقاتهن، أو متابعة المسلسلات والبرامج التليفزيونية، تعلّق: «الرجل يقبل أي عذر آخر إلا النسيان؛ لينفجر: نسيتِ الهاتف، التليفزيون، الأكل.... إلخ».
في فلسطين.. نسيان متكرر للمواقف نفسها
نسيان تتكرر فصوله، وفي أدق تفاصيله، كأنها صور تغيب لتعود من جديد؛ فالمواقف نفسها، والنسيان نفسه، كله يرجعونه لأعباء الحياة، حتى أن نضال صلاح، موظف، كان يطالع رحلة، وحمل حقيبته معتقداً أنه جهز جميع أغراضه، ولكن عندما وصل مكان الرحلة فتش أغراضه واكتشف أنه نسي أغلب الأشياء، يعلّق: «المشكلة أن هذا الأمر يتكرر معي كثيراً».
يوم العطلة
الذهاب يوم الجمعة إلى الجامعة لحضور المحاضرات، ستكون نتيجته واحدة، وهي التي فاجأت سعيد المحروق، طالب جامعي، بعدما استيقظ باكراً وارتدى ملابسه وركب المواصلات؛ قاصداً الجامعة، لكنه فوجئ بغياب الزحام، وحين وصل الجامعة وجد أبوابها مغلقة، اكتشف أنه يوم الجمعة، يعلّق: «كنت أعتقد أنه السبت أول أيام الأسبوع».
الرأي النفسي والطبي
يعتبر مرض الزهايمر السبب الرئيس السادس للوفاة، كما كشف الدكتور ماجد علي قنش، استشاري علم نفس وسلوكيات أسريَّة، من السعودية، يتابع: «أعمال الشباب باتت فرديَّة أمام شاشات الحاسب الآلي أو التلفاز؛ لذا أنصح بممارسة الهوايات والابتعاد عن القلق قدر الإمكان، كل ذلك يجدد خلايا المخ ويخفف من النسيان».
فيما أكدت استشارية الإرشاد النفسي والتوعية الأسرية، زينب إسماعيل القلاف، من الكويت، أن النسيان لدى الشباب يبدأ من التناسي وإيجاد الأعذار الكاذبة لعدم الالتزام، سواء بأداء الصلاة أو مذاكرة الدروس والالتزامات الأسرية، وحينها ينطبق المثل الشعبي القائل: «يكذب الكذبة ويصدقها»، تتابع: «الزوج يعلم موعد عيد زواجه ولكنه لا يتذكره إلا عندما يبلغه أحدهم، وهذا ناتج عن الإرهاق وسوء التغذية وعدم الانتظام بالنوم والسهر الطويل».
