امرأة مستعدّة للموت من أجل الرّئيس!

9 صور

ستّون من أمهر رجال الأمن وأكثرهم كفاءة وحنكة وفطنة وفراسة وقوّة ورباطة جأش مكلّفون بحراسة الرّئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ليلاً نهاراً، والسّهر في كلّ لحظة وحين على حمايته وضمان سلامته أينما كان. هم نخبة النخبة من رجال الحرس والشّرطة، وترأسهم امرأة هي: «صوفي هات»، وهي المرأة الوحيدة في العالم كلّه -مشرقاً ومغرباً- المسؤولة عن أمن رئيس دولة.

لمّا سئلت sophie hatt صوفي هات هل أنتِ مستعدّة للموت من أجل الرئيس؟
أجابت:
- من دون تردّد ولو لثانيّة واحدة، فهذا واجبي، وهذا ما نتدرّب عليه يوميّاً.
وصوفي هات (48 عاماً) مستعدّة فعلاً للموت من أجل الرّئيس فرانسوا هولاند، لا حبّاً ولا عشقاً، وإنّما من باب الواجب، فمهنتها حمايته وضمان سلامته، والموت مكانه إذا اقتضى الأمر ذلك، فهي الدرع الواقية، له بعد أن اصطفاها؛ لترأس «فرقة أمن رئاسة الجمهوريّة»، وهي فرقة مهيبة ولها صيت، وتضمّ 60 رجل أمن تمّ اختيارهم فرداً فرداً، وانتقاؤهم بدقّة متناهيّة، ووفق مقاييس صارمة.
وهذه المرأة النحيفة في قوامها والقوية في عضلاتها متحصّلة على شهادة جامعيّة في الحقوق، ولكنّها اختارت -وهو حلمها منذ شبابها الباكر- أن تكون ضابطة في الشرطة؛ لأنّها تميل إلى المغامرة والحركة -حسب تعبيرها- ولذلك تابعت دراستها في المدرسة العليا للشرطة، وتخرّجت فيها، وبدأت مسيرتها المهنية عام 1993، وانتمت في البداية إلى فرق مقاومة الشّغب والمظاهرات، وتمرّست بالعمل الميداني؛ حتى أنها عاشت لحظات خطرة أثناء قيامها بمهامها، واعترفت أنّها كادت تموت في إحدى المرّات، وآخر عمل لها قبل الالتحاق بقصر «الإليزيه» كان بإقليم أمن باريس.

اللّقاء الأول
بعد أيام معدودات من تولّي الرئيس فرانسوا هولاند مقاليد السلطة في مايو (آيار) 2012 كانت له جلسة مع صوفي هات في مكتبه في قصر «الإليزيه»، وبعد حديث قصير أعلمها باقتراحه بأن تكون هي المسؤولة الأولى عن أمنه الشخصي فقبلت. سألها متى يمكن لك أن تشرعي في عملك؟ أجابت: غداً، وتمّ الاتفاق؛ لتصبح بذلك أول امرأة في تاريخ فرنسا المسؤولة الأولى عن فرقة حماية رئيس الدولة. لم يطلبها فرانسوا هولاند للحضور بعد أيام قليلة من حفل تنصيبه صدفة، ولم يأتمنها على حياته هكذا، وإنّما اتّخذ قراره الهام بتوصيّة من صديقه ليونان جوسبان رئيس الحكومة الفرنسية سابقاً، والذي عملت معه صوفي هات -وكانت في الثانية والثلاثين من العمر وقتها- مسؤولة عن أمنه الشخصي وحمايته عن قرب، وقد نجحت في مهمتّها، وتركت لديه انطباعاً إيجابيّاً.

المتمرّدة
صوفي هات تنتمي إلى عائلة بورجوازيّة من مدينة «أنتيب» (على بعد 23 كلم من مدينة «نيس» بالجنوب الفرنسي)، وجاءت لباريس كطالبة لمواصلة دراساتها العليا. والدها طبيب أسنان وأمّها معلّمة، وهي تعترف بأنّه في فترة مراهقتها كانت فتاة متمرّدة على كلّ ما يمثّل سلطة؛ حتّى ولو كانت سلطة والديها. تقول: «منذ أن أشعر بأنّ شيئاً أصبح إجبارياً؛ فإنّه يصبح بالنسبة لي أمراً معقّداً» مضيفة: «لا أحب أن أكون مطيعة، وإنما اخترت أن أكون أنا من تعطي، وتصدر الأوامر».
سمراء وشعرها دائماً قصير. وهي -كما تقول عن نفسها- رياضيّة حتى النخاع، وتمارس تمارينها كالجري و«الجودو» يوميّاً، وتتدرّب تدريباً قتاليّاً على الرماية بانتظام، فالرصاصة التي تنطلق من سلاحها تصيب مرماها بدقّة متناهيّة، فالخطأ في عملها الحسّاس غير مسموح به أبداً، وهي تجمع في شخصيّتها بين الشدّة والصرامة والقوّة مع لمسات أنثويّة في لباسها.. وهي متزوّجة من ضابط شرطة وأم لثلاثة أبناء.

لها في عملها مع الرّئيس اسم حركي سرّي، تتواصل به مع فرقتها العاملة تحت إمرتها من خلال السمّاعات المزروعة في أذن كل فرد.
وهي ملازمة للرّئيس كظلّه في كلّ تنقّلاته داخل فرنسا وخارجها، فهو رمز السلطة وهو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة لخامس أهمّ دولة في العالم، والوحيد الذي لديه الشفرة السريّة للزرّ النوويّ، وهو الوحيد أيضاً الذي يحقّ له في أيّة لحظة الإذن باستعمال السلاح النووي، وبالتّالي فإنّ حمايته أمر أساسي وهام للبلاد والعباد.


في الميدان
وصوفي هات مسدّسها لا يفارقها، وهي على استعداد في ظرف ثوانٍ أن تستعمله لإحباط أيّ خطر -مهما كان نوعه أو مأتاه- يهدّد حياة الرّئيس وسلامته.
«الرئيس يصل بعد دقيقتين»... «الرئيس سيغادر في الحين»، تلك هي الإشارات التي تصدرها صوفي إلى أعوانها العاملين تحت أوامرها لملازمة اليقظة والاستعداد الكامل، بعد أن يكونوا قد زاروا المكان الذي سيصل إليه فرانسوا هولاند من قبل، ودرسوه شبراً شبراً، وبعد أن زرعوا «عيونهم» السّاهرة في الأرض وفوق السطوح وفي النوافذ وفي أماكن لا تخطر على بال أحد.


تقول صوفي: «إذا أراد الرئيس مثلاً مصافحة الناس في المكان المتواجد به، ولم يكن ذلك مخططاً له، فنحن المكلّفون بحراسته، علينا التكيّف مع الوضع، وليس خلافاً لما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية، فرجال أمن الرئيس الأميركي يمكن لهم أن يقولوا للرئيس: «لا»، إذا أراد فعل شيء يرون هم أنّ فيه خطراً عليه مهما كان ضئيلاً مضيفة: «أنا مطالبة بالنتائج ولا يهم الوسائل»، ولكن الخطأ غير مسموح به والارتجال ممنوع ولا شيء يبقى متروكاً للمصادفات».


وعند انتقال الرئيس في أماكن عامّة، فإنه وإلى جانب الفرقة المكلّفة بالحراسة المقربة له فإنّ نحو 700 رجل أمن يتوزعون وفق خطة مرسومة لضمان سلامته، إلى جانب توافر سيارات مصفحة وعتاد وأسلحة ورجال أمن بالزي المدني وطائرات هليوكوبتر ومعدّات متطوّرة؛ لكشف أي مصدر خطر حتى ولو كانت ولاعة مشتعلة.


محسودة
ولأنّ صوفي هات في موقع مهم وقريبة من الرئيس؛ ولأنها أيضاً امرأة، فالحاسدون لها من الرجال الطامعين إلى أخذ مكانها كثيرون، وبعضهم سربوا القول لغايات في أنفسهم أن صوفي تريد دائماً الظهور مع الرئيس أمام كاميرات التلفزيون أثناء تنقّلات الرّئيس، في حين أن المفروض أن تكون العين الخفية الساهرة عليه بدون أن تظهر، وهم يحصون عليها كل كبيرة وصغيرة، من ذلك مثلاً أنّه في زيارة عمل للرئيس لـ«ري دي جينيرو» (البرازيل) لحضور قمّة التنميّة المستدامة، حصل أن وصل رجال الفرقة المكلفون بالحراسة المقربة للرئيس، ولكن أسلحتهم لم تصل معهم؛ لأنه تم شحنها في طائرة ثانية، وهذه هفوة، والمتحفزون لأخذ مكانها وجدوا أكبر ثغرة تسللوا منها في محاولة للتشكيك في كفاءتها، بعد أن نشرت مجلة «كلوزر» تحقيقاً مصوّراً عن زيارات الرئيس السريّة إلى شقّة عشيقته الجديدة الممثّلة الحسناء جولي جاييه الكائنة بـ20 شارع السرك بالدائرة الثامنة بباريس غير بعيد عن قصر الإليزيه.

كيف لم تتفطّن فرقة حماية الرئيس إلى وجود المصوّر الموجود في العمارة المقابلة، والذي نجح في «اصطياد» صور للرئيس عند دخوله وخروجه من «وكر الغرام»؟ وقد سئل المصوّر سبستيان فاليلا: «لو كانت لك نوايا أخرى، هل كان بإمكانك أن تضع حياة الرئيس في خطر؟ أجاب من دون تردد: «نعم» ما دفع الرئيس نفسه لمخاطبة الرأي العام والتصريح على الملأ: «أطمئن الفرنسيّين بأني محميّ، ولا يجب أن يصيب القلق أحداً»، وتبين أن فرانسوا هولاند كان دائماً مرافقاً فعلاً في زياراته الليلية لشقة عشيقته باثنين فقط من فرقة حمايته؛ حتى يبقى عدد من يعلم السرّ محدوداً جداً، ولكن نشر التحقيق المصوّر كان بمثابة الزلزال الذي هزّ فرنسا كلها وشوّه صورة رئيس الدولة، عندما ظهر متنكراً وراكباً دراجة نارية للوصول خلسة إلى خليلته، ففرقة حماية الرئيس مسؤولة عن حمايته الجسديّة، وأيضاً مسؤولة عن«صورته» أمام الرأي العام وأمام العالم....وهي صورة يجب أن تبقى دائماً تمثّل هيبة الدولة و«أبّهتها».