قصة قصيرة: صاحبة الخصر الرشيق

2 صور

في الساعة السادسة مساء هو موعد اللقاء، كان آخر اجتماع لهن منذ أربعة أشهر.
تنتظر«عبير» صديقات الطفولة، وعبير باختصار سيدة وظيفتها معلمة، وهي إنسانة مثقفة بسيطة المظهر عائلتها صغيرة مكونة من طفلين، «تم إنجابهما بعد سنوات طويلة».

رنَّ جرس الباب، وها هي «مها» تدخل، وقد حملت بيدها صحناً من الفطائر، ذُهلت عبير من رشاقة مها، صرخت بإعجاب وهي تساعدها على نزع عباءتها:
«ماشا الله ماشا الله! وش هالزين وين راحت الشحوم!!»، ابتسمت مها ولم تعلق، بل ناولت عبير صحن الفطائر الذي أعدته بنفسها.

ما وراء حزن مها
مها ربة بيت بسيطة في ملابسها، إنسانة همها الأكبر زوجها وتربية الأبناء الخمسة وتغذيتهم بكل ما لذّ وطاب، وقد تشبث الصغير بعباءتها واضطرت لاصطحابه معها، فالأب يرفض أن يعتني به، والبقية تم توزيعهم ما بين منزل عمتهم وخالتهم.
قليل من العطر وضعته مها، وناولت صغيرها الحلوى والتفتت لعبير قائلة: «الله يعافيك عبير، وديه لغرفة الألعاب أبغي ارتاح منه شوي».
فتحت ذراعيها عبير، وطبعت قبلة على خد الصغير، ونادت خادمتها؛ لتهتم به مع الأولاد.
استرخت مها على الأريكة، أخذت نفساً عميقاً، وكأنها تتنفس الحرية.. ابتسمت بحب، ونظرت إلى عبير التي بدورها كانت مقبلة بأكواب من العصير الطازج زيَّنتها بشرائح الأناناس، التي غرست على كل قطعة أعواداًَ خشبية نهايتها مظلات ملونة جميلة.
حملت مها الكوب بسعادة، وأفسحت لعبير المجال؛ لتجلس بقربها، التفتت عبير بجسدها إلى مها، واقتربت منها قائلة: «أخبريني السر». ابتسمت مها بعد أن تنهدت بعمق. «عادي عبير»، وأشاحت بوجهها بعيداً، وكأنها تخفي شيئاً. شعرت عبير بشيء ما، وأرادت أن تبدأ مرحلة الحفر والنبش، إلا أن هنداً كانت قد وصلت.
 

أناقة هند

هند تلك السيدة الأنيقة التي تسبقها رائحة العطر إلى المكان، ملأت يديها بمجموعة من الإكسسوارت الثمينة، لقد كانت أنيقة المظهر تهتم بتفاصيل الجمال في كل شيء، متزوجة منذ سبع سنوات ولديها طفل واحد فقط، كثيرة السفر، وتحب الأعمال الخيرية، وقد بدأت مشروع تصميم الأزياء منذ سنوات، ونجح نجاحاً كبيراً.

دائماً متجددة، تحب الأجواء السعيدة، خلعت عباءتها الحريرية الملونة، حركت شعرها الحريري بيدها بخفة وهي تحيي عبيراً. 
حول مائدة صغيرة اعتدن الثرثرة حولها، توزع هناك الشاي والقهوة والفطائر والكعك المحلى وأشياء أخرى، فما يميز هذا الاجتماع هو البساطة، فالكل يخدم نفسه بنفسه بعيداً عن الرسمية.

اعترافات مها
موضوع الرجل من المواضيع المهمة التي تطرح على الأغلب. ولكن هذه المرة احتلت مها اهتمامهن، ووضعت عبير رجلاً على رجل، وغمزت لهند موجهة سؤالها إلى مها: «أيوه يا مس بيوتي الجميلة قولي لنا سر هالرشاقة؟».
اختلط الحديث بالضحك، وتعليقات مها كانت بسيطة جداً، تدعمها بابتسامة، لكن بدأت هذه الابتسامة تتلاشى بعدما زاد الضغط عليها منهن؛ خصوصاً تلك التعليقات العميقة حول العلاقة الخاصة، وكيف أنها بالتأكيد تحسنت بشكل كبير -حسب اعتقادهن- بعد هذا التطور الذي وصلت إليه مها. ولكن قطعت أحاديثهن، عندما وقفت مها معتذرة ومعلنة الرحيل! شدت عبير على يد مها قائلة: «مها وي شفيك؟!! والله ما تروحين ايش فيك ما نقصد».
إلا أن مها بدأت تختنق عباراتها، ترتجف يداها، وامتلأت عيناها بالدموع، عانقتها عبير بقوة، وبدأت مها بالبكاء والنحيب.
بعد وقت غير قصير هدأت، وتحدثت بصوت مبحوح، يعلوه الألم، وبدأت بالحديث موضحة أن هذه الرشاقة كانت تتمناها منذ سنوات طويلة، ولكنها ما كانت تريدها لو كانت تعرف أنها ستصل إلى هذا المظهر، بسبب الألم النفسي الذي تعيشه بعد أن هجرها زوجها، واكتشفت بعد حين أنه يخونها! ورأت الرسائل والتسجيلات الصوتية التي كانت عبر تلك المحادثات، وهمست: «لازال صوته وصوتها في عقلي». أظلمت الدنيا بعينيها، خصوصا أنها تكتمت على الموضوع، ولم تواجهه؛ لأنها خشيت أن يغضب عليها بسبب عبثها في هاتفه المحمول دون علمه.


شعرت الصديقات بالأسى وتعاطفن معها، ربتت هند على كتف مها قائلة: «أنا أقول هي نزوة وحيرجع لك ولا تزعلي أهم شيء إنك تعيشي حياتك ولا تواجهيه، خليه بس إنت انبسطي واخرجي زي ما تبغي ما تدفني نفسك في البيت».
علقت عبير قائلة «حسبي الله عليه إنت مو مقصرة معاه، عيشي حياتك وابسطي نفسك، وما يمنع إنك تستشيري أحد فاهم، أو تقولي لواحد عاقل من إخوانك». قاطعتها مها: «لا مستحيل، أنا ما قلت له، كيف أقول لأخواني يواجهونه! وأصلاً أخواني مو حولي كل واحد مشغول في حياته».
قالت عبير: ربي يصلح اللي بينكم يا رب، الحياة صعبة وما في أحد مبسوط، الله يهدينا كلنا. قامت مها بعد أن لملمت نفسها، أحاديثها، دموعها، وحملت طفلها، وقالت «الأولاد هم جنتنا في الدنيا وعشانهم إحنا صابرين».

رحلت مها، وبعدها بقليل رحلت هند، وبقي الكثير من الأفكار والأحلام، ويبقى الكثير من الحقائق المغيبة عن الجميع!، لكل واحدة منهن صندوق مغلق تحتفظ فيه لنفسها.
مثلاً..
ربة البيت «مها» رغم خدمتها لمنزلها وأبنائها في كل شيء؛ إلا أن جهلها في العناية بزوجها عاطفياً فتح ثغرة، بدأت تكبر مع مرور الأيام، وبدأ زوجها يتغير، ويصبح عصبياً جداً، وانسحب تدريجياً من حياتهم، فقط يأكل، يجلس مع أطفاله، وينام وحده.

أما عبير الموظفة فإنها تعاني كثيراً من انشغال زوجها عنها وعن الأطفال، واعتماده عليها مادياً في نفقة البيت والأولاد ومدارسهم والتواصل مع المدرسين، وكل شيء. إنها تعيش طلاقاً عاطفياً، فلا يوجد شيء عاطفي يجمعها بعائلتها سوى المادة.

أما هند سيدة المجتمع التي تزوجت زوجها عن حب، فهو رجل طموح يعمل في العقار، ولديه الكثير من الالتزامات والارتباطات والسفريات؛ لذا تجتمع معه نادراً سريعاً، في فندق ما أو مطعم أنيق، ولديه علاقات عابرة، تعلم عن بعضها، ولكنها تعايشت مجبرة عليها من باب «نزوة».
وتشبع أنوثتها عندما تلاحقها نظرات الإعجاب من أولئك الرجال في أي مكان تذهب إليه، هي لا تكلمهم، ولا تلقي لهم بالاً، إنما المشاكسات البسيطة والنظرات تقوم ببعض الطبطبة، كما تعتقد، لبعض جراحاتها.
طال حديثهن عن الحقوق والواجبات، وكل واحدة تبقي صندوقها مغلقاً، وتكتفي بأن تعطي الأخريات الكثير الكثير من النصائح، ليس لأنها نسيت حقيقتها، لا، لكنها ربما بمساعدتها للأخريات قد يساعدها الله، ويرسل لها منْ يساعدها.
وتستمر الحياة...