حروب "اللقافة" على شبكات التواصل الاجتماعي!

9 صور

«منْ تدخل فيما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه»، «من راقب الناس مات هماً»، كلها أمثال تشير إلى دور اللقافة والتطفل في حياة الآخرين، والتي تحولت في الآونة الأخيرة إلى ظاهرة لافتة في المجتمع السعودي، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت لهؤلاء المتطفلين مساحة أكبر من الحرية؛ لممارسة أدوارهم وإشباع فضولهم؛ رغم محاولات الرفض والمقاومة التي يواجهونها من المجتمع.


في التحقيق الآتي نتعرف إلى «اللقيف»، وبعض طرق «اللقافة»، والأكثر تفوقاً في هذا المجال:


اللقافة قرافة والعلم ثقافة
بداية يقول المستشار الإعلامي الدكتور محسن الشيخ آل حسان: «قد يسيطر على البعض حب الاستطلاع لمعرفة كل ما يدور حولهم أو يسمعون به، ولا يترددون في مفاجأة الآخرين في طرح أسئلة بطريقة غير لائقة، الأمر الذي يؤدي بدوره لإحراج الآخرين، وهذا التدخل بطبيعة الحال غير مقبول؛ لأنه يقود للوقوع في النميمة ونقل الأخبار، باستثناء قلة من الفضوليين من الأصدقاء والأشخاص المقربين، ممن نثق بهم، ونكون على يقين بحسن نواياهم، وكذلك بعض الأطفال الذين يتملكهم حب الاستطلاع والفضول لاستكشاف الحياة، والطالب الذي يسأل كثيراً؛ ليعبر عن رغبته في العلم والمعرفة والاكتشاف والاختراع وتطوير الذات، وهنا بالتأكيد سيظهر الجانب الإيجابي لحب الاستطلاع واللقافة بتوجيهها الوجهة الصحيحة».

حب استطلاع
سيدة الأعمال عالية باناجة تقول: «إن مصطلح اللقافة لايزال من المصطلحات التي لم يتم تحديدها بشكل دقيق في المجتمع، فمن الممكن أن يطلق على منْ يملك حب الاستطلاع والتعلم وكثرة طرح الأسئلة مصطلح لقيف أو فيلسوف، مع أن الأسئلة التي غالباً ما تؤدي إلى التذمر، هي التي تتعلق بحياة الشخص الاجتماعية الخاصة، وهنا يحق للطرف الثاني الرد أو الامتناع عن ذلك، ومن الأفضل أن يتم الرد بطريقة بعيدة عن التجريح، ولا تخلو من اللباقة».


حشر الأنف
وترى دلال المحمد، معدة ومقدمة في إذاعة يو إف إم، أن اللقيف هو من يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة وبأي طريقة، وهو بذلك التصرف أو اللقافة يخسر كثيراً من علاقاته؛ لأنه يسيء إلى الآخرين، فأسرار الناس ليست مجالاً للفرجة والعبث بإقحام أنفه في شؤونهم، كما أن اللقافة تضعف من قوة إيمان المرء، وأضافت: «هذا الصنف من البشر يصاب باختلال أو ارتباك في الشخصية، مع العلم أن هؤلاء يملكون قدرات هائلة، ولابد من توظيفها بشكل صحيح، وهنا تكون التربية الصحيحة والتنشئة السليمة والتعليم عنصراً فاعلاً ومؤثراً في ذلك، وفي الارتقاء بالفكر والابتعاد عن سفاسف الأمور، والتحلي بالأخلاق الرفيعة في مجال الحوارات والنقاشات؛ بعيداً عن اللقافة التي تنعكس سلباً على الفرد والمجتمع».

فيما ترى إحسان هوساوي، رئيسة ومؤسسة فريق «لأجلك يا وطن» التطوعي، «أن اللقافة عادة سيئة جداً وأسلوب غير حضاري، ومن الصفات التي تتسبب في ابتعاد الأهل والأصدقاء في العمل عن الشخص اللقيف.


باباراتزي المشاهير
وتقول الإعلامية فاديا الطويل: «منذ صغري وأنا لا أميل للفضول لمعرفة وتتبع أخبار الآخرين؛ وكوني إعلامية لا يعني أبداً أن أقحم نفسي في خصوصيات الآخرين، فطبيعة العمل الذي يمارسه الإعلامي، هو الذي يفرض عليه أن يكون متطفلاً أحياناً؛ للحصول على الأخبار والمعلومات، كما هي الحال بالنسبة لمصوري الباباراتزي وتسابقهم لتصوير كل لقطة تتعلق بالمشاهير، والتي ينتظرها الجمهور والمتابعون بشغف، أما بخلاف ذلك وبرأيي أن الشخص المتطفل على حياة الآخرين هو شخص فارغ، ويملك من الوقت ما يدفعه للقيام بذلك».


ما دخلك
هناك خيط رفيع يفصل بين اللقافة وشهامة البعض وإحساسهم بالآخرين، ومحاولاتهم التدخل في شؤون غيرهم؛ إما لإسداء نصيحة أو لحل خلاف، وعن ذلك تعلق المنسقة الإعلامية لمركز رعاية نهارية في الرياض رنا شهوان قائلة: «للناس خصوصياتهم، التي يجب ألا تمس، ولا تخترق بالتطفل عليها، أما الشهامة فهي طبع متأصل بالإنسان يزيد من قيمته في مجتمعه، كما أن الإحساس بالآخرين نعمة بكل تأكيد، ولكن بشرط ألا تتعدى الحدود الطبيعية، وأن يكون التدخل لتغيير منكر أو لحل خلاف بطريقة مدروسة».

لقافة إيجابية
وفي وجهة نظر مخالفة، يرى الدكتور نمر السحيمي أن اللقافة هي المفتاح السحري للمعرفة ودليل تفاعل مع مجريات الحياة، وهي لا تعني بالنسبة له تدخل الإنسان فيما لا يعنيه، فكما أن الإنسان ابن بيئته فهو الآن ابن عالمه المختلف والمتجدد، ومن ذلك قنوات التواصل الاجتماعي التي خلقت مساحة رحبة للثقافة الإيجابية، وكان للنساء فيها النصيب الأكبر، وذلك يعود لطبيعة تكوين المرأة.


اللقافة الإلكترونية
واللقافة بالنسبة لمعاذ كمال الطالب بجامعة الملك سعود آفة سببها حب التدخل في شؤون الآخرين ومعرفة كل شيء، ويتابع: والآن ومع ظاهرة التصوير و«السيلفي» زادت نسبة اللقافة بدرجة أكبر من السابق، وأصبح توثيق اللقافة يتم بالصوت والصورة، وتنشر على أكبر نطاق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن تتبع ما يكتبه الآخرون على مواقع التواصل، ومحاولات معرفة من يقصدون بتلك العبارات، وتفسير كل كلمة من صور التطفل الحديثة، ويمكن أن يقود الفضول هؤلاء إلى مواقع وروابط محظورة أو تحمل فيروسات، مما قد يعرض أجهزتهم ومعلوماتهم الشخصية للتهكير وللتسريب.


لقافة عملية
للقافة من وجهة نظر إبراهيم فتني مسؤول سلامة عدة وسائل، منها: بالحديث، أو الاطلاع والتلصص على خصوصيات الآخرين، من أمتعة وصور وأجهزة، كمن تسنح له الفرصة بتفتيش جوالات الآخرين، والاطلاع على ما يحتويه الجهاز من صور ورسائل، مما يدفع البعض لوضع أرقام سرية على أجهزتهم، ومن مضار ذلك ما قد ينتج عنه من بغضاء ونفور بين الناس، وفتح باب القال والقيل، وغالباً ما يواجه الفضوليون النبذ من قبل المجتمع والحذر من التعامل معهم، إضافة إلى الأضرار النفسية التي قد تلحق بالشخص الفضولي، وقد قيل في الأمثال الشعبية: «من راقب الناس مات هماً».


الرأي الاجتماعي
يؤكد المستشار الأسري خالد البشر انتشار اللقافة، وتحولها إلى ظاهرة في المجتمع السعودي، إضافة إلى تأثير الأسرة والوراثة في أن يصبح الإنسان لقيفاً أو فضولياً وبشكل لا إرادي، باعتبار أن الإنسان صنيعة مجتمعه وأهله؛ ذاكراً أن اللقافة تنقسم إلى عدة أنواع: منها ما هو ذميم وسلبي، ومنها ما هو محمود ومرغوب، فالمحمود منها يكون في حدود معينة، وتصدر من الشخص بحسن نية، ومنها ما يكون على سبيل المثال في مجال العلم واكتساب الخبرات، أما الفضول المذموم؛ فهو أن يعطي الشخص لنفسه الحق في التدخل في شؤون الآخرين، وعدم التوقف عن الاستفسار، وطرح الأسئلة؛ لمعرفة أدق تفاصيل حياتهم، وهؤلاء بطبيعة الحال ينفر منهم الجميع، فغالباً تلازم صفة اللقافة صفة أخرى، وهي النميمة، ونقل الكلام بين الناس، ومن هنا يجب عدم مجاملة هؤلاء الفضوليين ومجاراتهم في تلبية فضولهم، كما لابد من حسن إدارة الموقف والتعامل معهم بحسم وبطريقة ذكية وغير جارحة؛ خوفاً من ردود فعل عكسية.


وحذر البشر من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتطفل والفضول على حياة الآخرين.
أما قيام بعض الزوجات أو الأزواج في المقابل بالتطفل على حياة بعضهم البعض، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن الطرف الآخر بتتبع أخباره والتجسس على المكالمات وتفتيش أمتعته الشخصية، فهذا الأمر يمكن أن نطلق عليه «شك»، ويقود إلى عواقب وخيمة قد تنتهي بطلاق الزوجين.


"المكان الثالث"
يرى الإعلامي والمستشار التقني أحمد بايوني أن شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد وسيلة اتصال عادية أو سهلة الاستخدام والخيارات فقط، بل على العكس، ففي كل فترة تزداد فيها وسائل انتهاك الخصوصية أو وسائل التطفل ترتفع وتتغير مستويات الخصوصية والأمان، وذلك لأنها أصبحت تطغى على ما كان يعرف في علم الاجتماع باسم "المكان الثالث"، أي المكان الذي يلجأ إليه الإنسان بعد مكانه الأول وهو البيت، ومكانه الثاني وهو العمل أو الجامعة، وقد وجد المتطفلون ومنتهكو الخصوصية أن تلك الشبكات ساحة ممتعة وغنية وبيئة خصبة ليلعبوا أدوارهم في انتهاك الخصوصية والتطفل على المعلومات.