خاطرة: رمضان كريم قدم السنين

في بيوت عتيقة هجرت أو ربما تركت لأغراض صيفية، ومع مرور السنين التي لا تتوقف، عاش أربعة أطفال عشقوا اللعب حد الجنون.


لا أعلم حتى كيف كان أول لقاء بينهم، ولكني أعلم مدى الصداقة بينهم وبين عائلاتهم، فما إن تدق الساعة معلنة بداية العصر بنسيمه العليل حتى يستعدَّ الأربعة للقاء بحماسة مفرطة، فتارة يجتمعون عند أولهم، وتارة عند ثانيهم، وأخرى عند ثالثهم ورابعهم اللذين تربطهما دماء أخوية.


وما إن يجتمعوا حتى يغوصوا داخل الألعاب المكدسة، والأفكار المتطايرة باحثين عن لعبة يمكنهم اللعب بها قبل أذان الإفطار، ومن بين أفكارهم تطرح أفكار عديدة ويتم التصويت على اللعبة التي سيلعبونها؛ حتى يتفق الكل ويبدؤوا باللعب، وكانوا تارة يتشاجرون بغضب، وأخرى يضحكون ويمازحون بعضهم بسعادة.


أذكر أنه في أحد الأيام قرروا أن يأخذوا جميع الكتب المكدسة عند أحدهم، ويضعوا أسعاراً لها، فاتحين عالمهم التسوقي الخاص بهم، جامعين البضائع والأموال، حاصدين تجارتهم فيما بينهم، ليكملوا لعبتهم على هذه الحال، راضين تارة ومستائين أخرى بين مرور الساعات حتى تستعد المآذن لإعلان وقت الإفطار؛ ليهرولوا مسرعين نحو بيوتهم حاملين بين أيديهم الصغيرة صواني من إفطار ذاك البيت، متحمسين للقاء الغد مخططين للألعاب والأحاديث، للأحلام والأمنيات بين هلال رمضان، ونداء الأسرة؛ استعداداً ليوم جديد، وعلى هذا المنوال مرت الأيام والسنون، ودارت العقارب والساعات حتى انتهت لوحة طفولتهم الممتعة بوجوههم البريئة، وأرواحهم الحلوة وضحكاتهم السعيدة.


ولكثرة الألعاب والذكريات التي تشاركناها سوياً في تلك البيوت العتيقة، فإنني لازلت كلما مررت بساحاتها أتذكر أولئك الأربعة وهم يلعبون على بلاطها، وأتذكر مدى حبي لتلك الساحات وعصريات رمضان القديمة، ولتلك الأرواح بداخلها التي نسجت معها أنصاف روحي، وكل تلك الضحكات والابتسامات التي لم تختف من زوايا وأركان تلك الساحات، إلا أن جدران ذاكرتي لم تعلق سوى لوحة وجوهنا وأرواحنا نحن الأربعة من غير لعبنا، وأحاديثنا التي أجزم بمتعتها تلك الأيام.
لا أعلم حقيقة لما كتبت كل هذا؟ أهو اشتياقي لطفولتي، أم لبيتنا وبيوتهم، أم إلى وجوهنا وبراءتنا الطفولية، وعصريات رمضان القديمة؟


ولكن أتعلمون؟ مهما مضت السنون، وكثرة الأتربة والعواصف فإن طفولتنا وذكرياتها، وكل الأشخاص الذين جمعتنا بهم تلك الأيام تبقى محفوظة في زاوية جدارية في ذاكرتنا، قد نحنُّ إليها فنعود بكل لهفة لتأملها، لنضحك ونبتسم أمام عظمتها. فرمضان كريم منذ قديم السنين