10 صور

جاء ثلاثة من الغرباء للشيخ علي الطنطاوي، وهو في عمر الشباب وتحديداً عند السابعة عشرة من عمره، ولم يعجبهم شكله لصغر سنه ولم يطربهم قوله، يقول رحمه الله: «فوقفت أنظر إليهم فأرى أنَّهم غلاظ وينظرون لي على أني صبي، فقالوا، أهذه دار فضيلة الشيخ الطنطاوي؟ فقلت كارهاً: نعم، فقالوا، هل الوالد هنا؟ فقلت لا، ثم سألوني أين نلقاه؟ فأجبت، في مقبرة الدحداح على الطريق المحاذي للنهر من جهة الجنوب، قالوا أيزور أمواتاً؟ فقلت لا، قالوا اذاً؟! فقلت هو من ُيزار! فصرخ أحدهم في وجهي صرخة مرعبة وقال: مات؟ كيف؟ فقلت جاء أجله ومات، فقالوا عظم الله أجرك، يا خسارة الأدب! فقلت إنَّ والدي كان من جل أهل العلم، ولكن لم يكن أديباً! فقالوا مسكين أنت لا تعرف أباك! وانصرفوا وأغلقت الباب وأنا أضحك مثل المجانين، فما أن حلَّ المساء حتى توافد الناس على بيتي من يعرفني يضحك ومن يجهلني يبقى صامتاً، وأخرج أحدهم الجريدة وإذا فيها نعيي!

من رموز رمضان
يعد الشيخ العلامة علي الطنطاوي، رمزاً من رموز شهر رمضان، فله مؤلفات عديدة وبرامج تسطر في ذاكرة التاريخ وتجعلننا نعود بالذكريات للزمن القديم بحلوه ومره!
(على مائدة الإفطار)، برنامج تلفزيوني قديم، اعتادت آذاننا منذ الطفولة على سماعه في شهر رمضان المبارك، وارتبطت مائدة الإفطار بالشيخ علي الطنطاوي لسنوات عديدة، حيث يعد برنامجه أطول برنامج عمراً في تاريخ تلفزيون المملكة العربيَّة السعوديَّة، منذ أكثر من ربع قرن، إلا أنَّ ذلك الصوت انتهى بوفاته عام 1999م، يوم الجمعة 4 ربيع الأول في مستشفى الملك فهد بجدَّة على إثر نوبات قلبيَّة متتالية لازمته مدَّة طويلة!

قصص طريفة
وللشيخ العديد من القصص الطريفة التي لا تجعلك تقهقه من الضحك فقط، بل وتأخذ من جراء الضحك نصيحة وحكمة لا تنساها مدى الحياة! فمن القصص الطريفة التي حدثت له وهو في مدينة العراق، حيث كان منتدباً لتدريس الأدب هناك، قبل أن يدخل إلى القاعة في الجامعة، قام بالتجول في بغداد ومشى كثيراً إلى أن بدى عليه الإرهاق والتعب وكان في حالة رثة! ثم دخل على الطلاب وكان لديهم مدرس آنذاك، فظنه الأستاذ أنَّه أحد الطلاب. فقال له: وأنت يا زمال (يا حمار)، لماذا تأخرت عن الحصة؟ فقام الشيخ الطنطاوي بالاعتذار منه وجلس مع الطلاب في الصف! ثم أردف الأستاذ قائلاً للطلاب: «سيأتيكم معلم لتدريس الأدب وهو الأديب الكبير علي الطنطاوي فلا تسودوا وجهي أمامه» واستمر يسألهم في الأدب والأدباء، وما كان من الشيخ الطنطاوي إلا أنَّه يجيب على الأسئلة! فأخبره الأستاذ قائلاً: أنت طالب جيد! ما اسمك؟ «فأجابه، اسمي (علي الطنطاوي) فكاد الأستاذ أن يغمى عليه! ومن هنا علمنا الشيخ الطنطاوي ألا نحكم على الناس بأشكالهم، بل بعقولهم!

رحلة الطنطاوي
ولد الشيخ علي الطنطاوي في دمشق بسورية عام 1327 هـ، وكان من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظاميَّة، تنقل بين دول عديدة، بدأ من دمشق إلى مصر ثم الى العراق انتهاءً بالسعوديَّة حيث توفي بها ودفن بمكَّة المكرَّمة. عمل بعدة جهات منها التعليم والصحافة والقضاء وله مقالات عديدة في الصحف، ونشر أول مقالة له في جريدة (المقتبس) عام 1926م، وكان في السابعة عشرة من عمره آنذاك.

هكذا ربانا جدي
ترك الشيخ الطنطاوي عدداً من الكتب التي ما زالت خالدة على أرفف المكتبات، كما خلف وراءه 5 بنات وعدد من الأحفاد منهم السيدة عابدة العظم، التي ألفت كتاباً عنه رحمه الله بعنوان (هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي)، وهو كتاب تربوي ممتع جداً، سواء للمربين أو الشباب، يحتوي على الفائدة التي تستوحيها من التجارب التربويَّة، التي كان يقوم بها الطنطاوي مع أولاده، لغرس المفاهيم الإسلاميَّة في نفوسهم، وحثهم على فضائل الأعمال، فمثلاً إذا طلبت منه ابنته شيئاً، قال لها: اطلبيه من الله وقولي: يا رب، أريد هذا الشيء، والله سيسمعك ويجيب طلبك.. وبعد أيام يحضر ما طلبته ابنته قائلاً لها: انظري، لأنك قلت يا رب، رزقني الله مالاً واشتريت لك ما طلبت. وبهذا غرس الإيمان بالله والالتجاء إليه وقت الحاجة!
رحل الطنطاوي، ولا تزال الذاكرة مليئة بما تركه من حكم ومواعظ ومآثر، سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئيَّة، فرحمه الله وجعل ما خلف في ميزان حسناته.