"دوار الشينوا".. قرية الفيتناميين في المغرب

صورة تعبيرية
حكيمة في حديقة بيتها
فاطمة الفيتنامية في حديقة بيتها بالمغرب
منظر من «دوار الشينوا»
فاطمة ترتدي الأبيض بعد وفاة زوجها، حسب الأصول المغربية
صورة حكيمة رفقة والديها الراحلين وابنها
فاطمة رفقة أقاربها في المغرب
الطريق المؤدي إلى «دوار الشينوا»
الممرضة فاطمة الفيتنامية مع حفيدتها
فاطمة وكيم تتحدثان إلى «سيدتي»
صورة أم حكيمة الفيتنامية خلال وجودها في فيتنام
حكيمة مع صورة والديها الراحلين
الممرضة فاطمة الفيتنامية مع أختها كيم في مطبخ البيت
13 صور

بعد سنوات من الاغتراب، وصل إلى القاعدة الجوية في القنيطرة نحو 70 محارباً مغربياً، ليلة 15 يناير عام 1972، برفقة زوجاتهم الفيتناميات وأبنائهم، بعد أكثر من 22 سنة قضوها في فيتنام، التي رحلتهم إليها القوات الفرنسية قسراً؛ ليكونوا وقود حربها الاستعمارية في آسيا.

أصل الحكاية
كان هؤلاء المغاربة يعدّون آخر مجموعة لتلتحق بأرض الوطن، فهم بقوا في فيتنام منذ انتهاء حرب الهند الصينية الأولى، عام 1954، كمحاربين أصدقاء انضموا إلى صفوف القوات الحكومية، وبعضهم غير ولاءه وانضم إلى الثوار تحت قيادة «هو شيه منه» زعيم الثورة الفيتنامية. وقد اقترح عليهم الملك الراحل الحسن الثاني حينها، إما توفير وظائف لهم في مدنهم الأصلية، وإما منحهم أراضي في مسقط رأسهم، فكان أن اختار جلهم الاختيار الثاني بعدما استقروا في منطقة الغرب المغربي.

الطريق إلى «سيدي يحيى»
كانت الشمس في وهجها، حينما وصلنا إلى محطة القطار «سيدي يحيى»، المكان هادئ لا يكسر هدوءه سوى أصوات أصحاب «التكتك»، الذين يتنافسون من أجل جمع أكبر عدد من الزبائن. سألنا أحدهم عن وجهتنا، واتفقنا على الثمن ومن ثم ركبنا.
اتجهت السيارة وسط غابة كبيرة من أشجار الأوكالبتوس، وصلنا دوار الشينوا وإذ بضيعة كبيرة تحيط بها أشجار الحوامض، ومنازل من القرميد الأحمر. طرقنا الباب، لتظهر سيدتان قصيرتا القامة، تضعان على رأسهما غطاء، قلنا عن سبب وجودنا، أجابتا بلكنة صعبة أنه غيرمرغوب فينا، فهمنا بعدها أن لهم تجربة سيئة مع الصحافيين فغادرن إلى المزرعة المجاورة وفي طريقنا كل من التقينا بهم من الفلاحين أخبرونا أن نتجه إلى منزل السيدة حكيمة، فهي تتكلم بدارجة فصيحة وهناك بالفعل استقبلتنا بوجه بشوش وتحدثت معنا بعفوية مطلقة، قدمت لنا شاياً بالنعناع، كما هي عادة جل المغاربة كلما حلّ بالبيت ضيوف.

عقد زواج «شرعي»
تقول حكيمة: عقب العودة إلى المغرب، تم إلزام المغاربة المتزوجين من نساء فيتناميات بإبرام عقد زواج «شرعي»، فكان على الزوج أن يمنح زوجته الفيتنامية اسماً مغربياً، ويُدخلها الإسلام إذا أرادت ذلك. كانت والدتي -رحمها الله-ذو الأصل الفيتنامي تصلي وتحاول جاهدة الانغماس في التقاليد المغربية والإسلامية. حتى حينما توفي والدي ارتدت الأبيض، كما هي عاداتنا طوال المدة التي يوصي بها ديننا.
أما بخصوص أبنائي أتحدث معهم بالفيتنامية أحياناً، وأحاول أن أنقل إليهم جزءاً من تاريخ الأجداد، فأنا فخورة في خليط الأجناس هذا.
ودعنا حكيمة، لكنها مدّتنا بعنوان فاطمة «الشينوية»، الممرضة، وعند وصولنا بيتها لاقتنا ابنتها ودعتنا للدخول (يبدو أنهم اعتادوا زيارة الصحفيين) بعد برهة خرجت السيدة فاطمة، ترجمت ابنتها لها ما جئنا لأجله، فرفضت، في المقابل تحدثت شقيقتها: لا يغرنكم ما كتبته عنا بعض الصحف لسنوات، جلهم تطرقوا إلى نجاحنا كخليط ثقافي في الاندماج بسرعة في المجتمع المغربي، لكنهم في المقابل لم يكتبوا عن جوهر القضية «هوية الأرض».

من دون هوية
تحكي «كيم» أنه على الرغم من أنهم تأقلموا مع العادات والتقاليد المغربية، لكن أراضيهم التي وهبها لهم الراحل الحسن الثاني، ضمن ورقة تحت مسمى «هبة ملكية» أصبحت«لا تسمن ولا تغني من جوع». وكلما أردنا بيع محصولنا السنوي لأحد المعامل المغربية، واجهتنا مشكلة الأوراق الثبوتية حتى حينما قررنا التوجه إلى المسؤولين لحل مشكلتنا الوحيدة، كانوا يعدوننا دون جدوى.
أرخى الليل سدوله على منطقة «سيدي يحيى»، وتركنا المنطقة بذكرياتها وآمالها، في حل مشكلة كانت إلى وقت قريب لا تخطر على بال.